السكوت عن الماضي (1)

السكوت عن الماضي (1)

بقلم د. الصادق الغرياني

الغاية من الدعوة إلى السكوت عن الماضي هي توحيد الجهود لبناء المستقبل، والوقوف صفا واحدا لرد العدو الصائل، وليس معناها عدمَ السماحِ بالنقد البنَّاء الهادفِ، فإن المستقبلَ لا يُبنى بتكميم الأفواه، وإذا هابت الأمة أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُوُدّع منها.

الأمر بالمعروف والنهي عن ضده فريضة محكمة باقية إلى قيام الساعة، حذرنا الله من التهاون فيها، فقال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، وقال النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهُ سَيكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِيءَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ).

وقد أمرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنصح في الدين، ومن النصح في الدين، النصح للحكام، والنصح لعامة المسلمين.

كان من البيعة التي أخذها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه: “وأن نقول بالحق لا نخاف فيه لومة لائم”، فالسكوت عن المنكر غشٌّ للأمة لا يليق بصاحب دين.

ومن النصح للحكام على مختلف مجالسهم ومستوياتهم في هذا الوقت الحرج في بلادنا استنهاضُ هممهم للعمل على تقصير أمد الحرب، فإن ما ترتب في الماضي وما يترتب على تطويل أمدها من مخاطر استقواء العدو، ومن نزوحٍ وتهجيرٍ وفزعٍ للآمنين أمر غاية في الخطورة لا تحمد عقباه.

استنهاض همم المسئولين بالالتفات إلى جبهات القتال، معناه إعطاؤها أولوية، ودعمها بكل قوة.

إنّ أداء الحكومة بتوفير متطلبات المعركة ليس في مستوى تضحياتِ المقاتلين في الجبهات وما يقدمونه من قوافل الشهداء.

الجبهات محتاجةٌ إلى تفقد متواصل ودعم مضاعف مستمر.

محتاجةٌ إلى سلاح نوعي يقارع سلاح العدو ومدرعاته وطائراته.

محتاجةٌ إلى قرار عسكري وسياسي حازم قوي غير متردد، قرارٍ يعيش مأساة النازحين ومن دُمرت بيوتهم.

قرارٌ يُحدد العدو والدول التي تدعمه، ويسميها باسمها، فلا يتسامح ولا يتلعثم في إدانتها واتخاذ ما يلزم نحوها.

هذه دول تقتلنا بسلاحها، وتقتلنا بأموالها، وتقتلنا بعساكرها وخبرائها، هي لم تعد خافية، هي السعودية والإمارات ومصر وفرنسا.

السعودية لا تقتلنا بأموالها فقط، بل بكتائبها التي تتلقى أوامرها بصورة فتاوى من شيوخ مخابراتها، الذين يلبسون لباس السلفية، وقادتُها المطلوبون بارتكاب جنايات دولية في بنغازي، بعد أن دمروها قدموا لتدمير طرابلس، فهل بعد هذا نحتاج لإثبات أن السعودية مشتركة في الحرب على بلادنا؟!

الإمارات والمصريون لا يخفون تورطهم، مدرعاتهم وذخيرتهم التي تغنم من أيد العدو تُفصح عنهم، والفرنسيون ضُبطوا هاربين بأسلحتهم من الحدود البرية، واعترفوا في الماضي بقتلاهم!

لا زلنا لم نسم عدونا باسمه بعد!

نخشى على مشاعرهم أن تجرح وهم يقتلوننا بلا هوادة!

هذه دول بالمصطلح العسكري والمصطلح الشرعي: قاتلة محاربة.

والمتعارف عليه بين أمم الأرض أن الدولة المعتدَى عليها ويُقتل شعبُها لها أن تستعمل ما تملك من سلاح لصد العدوان، وهو حق مكفول لها شرعا وعرفا، قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).

هناك أسلحة كثيرة يمكن أن ندافع بها عن أنفسنا، السلاح الاقتصادي، السلاح الدبلوماسي، السلاح الإعلامي، السلاح العسكري بتفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك مع الدول التي لنا معها اتفاقيات.

لم نر هذه الأسلحة معطلة، وشعبنا يقتل؟!

استنهاض همم المسئولين يكون بدعم الجبهات بالسلاح النوعي الذي يردع مدرعات الإمارات، مضى الآن أكثر من شهر على المعارك، ولا زال شبابنا محرومون من سلاح فعال يدافعون به عن أنفسهم، ومعاناة النازحين في شهر الصيام تتفاقم، فما الذي ننتظره ونحن نُقتل كل يوم؟!

نحنُ في حرب نقدم الأرواح، والدماءُ تسيل، فعلى من ابتلاه الله بمسؤولية في هذا البلد أن يتحملها، فإن من استرعاه الله رعية وضيعها متوعد من الله بالنار.

تحمل المسؤولية أن يُقدرَ المسئول أنّ كل شهيد يسقط هو ابن صلبه!

نحنُ في حربٍ لا في نزهةٍ!

أين حكومة الحرب المصغرة التي تدير المعركة كما تدار الحروب، وإن كانت موجودة فلم لا يعلن عنها؟!

الإعلان عنها يرهب العدو!

حكومة الحرب تشتغلُ على مدار الساعة، تحسب الوقت بالدقائق لا بالساعات، لأن الدماء التي تسيل أمانة في أعناق هذه الحكومة.

في أوقات الحرب الرئيس أو الوزير يزور عددا من الدول في اليوم الواحد، ويعود من ليلته إلى الجبهة يتفقدها، هكذا نرى أعداءنا يفعلون أثناء الحروبِ، لأنهم يخشون المساءلة إن غابوا!

مرة أخرى، الجبهاتُ محتاجةٌ إلى التفقدِ، محتاجة إلى السلاح النوعي، وهؤلاء أبناؤكم يدافعون عنكم وعن ليبيا كلها، هناك من أسندت إليهم حقائب في حكومة الوفاق – إنْ أحسَنّا بهمُ الظنَّ – نقولُ لم تتضحْ مواقفهم من الحرب بعد؛ هل هم مع حكومة الوفاق، أم مع العدو؟!

منهم هيئة الأوقاف على سبيل المثال، بعض الإدارات التابعة لها تدعو على رؤرس المنابر إلى الانضمام لحفتر بحجة أن من مع حكومة الوفاق إخوان وميليشيات!!

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى