تقارير وإضاءات

الردُّ على شُبهات منكري صيام عاشوراء

الردُّ على شُبهات منكري صيام عاشوراء

يقول السائل: ما قولكم فيمن يزعم أن صوم عاشورء ليس من الدِّين، وإنما هو أكذوبةٌ، وأن الأحاديث الواردة في صيام عاشوراء مكذوبةٌ على النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب:

أولاً: سمعت مقطع فيديو لشيخٍ مصري يدعى “محمد عبد الله نصر” ينكر فيه صيام عاشوراء، ويزعم أن عاشوراء أكذوبةٌ، وأن الحديث الوارد فيها موضوعٌ، لا أصلَ له، حيث قال بلغته العامية:[وبعد بحث اكتشفت إنو ما فيش حاجة اسمها عاشورا. وهي أكذوبة. والحديث حديث موضوع. ولا أصل له].

وزعم أن أول دليل على بطلان عاشوراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهل أن ذلك اليوم كان عيداً عند اليهود، وأنه اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى عليه السلام من كيد فرعون، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صام مع اليهود يوم عاشوراء، أصبح تابعاً لليهود، وليس متبوعاً.

وقال إنه ورد في حديث عاشوراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لئن عشتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسع)

وزعم أن ذلك يدل على كذب الحديث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن عاشوراء في أول سنة هاجر إلى المدينة، وقوله (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش في المدينة سنةً واحدةً فقط، لأنه ورد في آخر الحديث أنه لم يأت عاشوراء التالي إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم قال في آخر كلامه [شفتوا إزاي لازم نفكر ونشغل عقلنا في كل رواية نسمعها ونعرفها. أنت بالعقل لا بالجسم إنسان. عاشورا أكذوبة كبيرة. لا دليل عليها. والحديث حديث موضوع، فتوى مني ما فيش حاجة اسمها عاشورا أصلاً. دي إسطورة أكذوبة. أنا عايز حد يجيب لي دليل على أنه في حاجة اسمها عاشوراء؟ ]

هذه أهم الترهات التي ساقها هذا المتعالم.

والغريب ليس سرعة انتشار هذه الأباطيل في أيامٍ قليلةٍ، فهذا ليس بمستغربٍ في عصر تكنولوجيا الاتصالات.

ولكن الأغرب هو اقتناع بعض المشايخ الذين أجَّروا عقولهم بهذه الترهات حيث طلب بعضهم من الناس أن لا يصوموا عاشوراء، لأنه لا يوجد في دين الإسلام شيءٌ اسمه صيام عاشوراء؟!

ثانياً: الأحاديث التي وردت في يوم عاشوراء وفضيلة صومه، أحاديث صحيحةٌ متواترةٌ، رواها عددٌ كبيرٌ من الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتها كتب السنة النبوية، وقد رواها البخاري ومسلم عن عشرة من الصحابة رضي الله عنهم هم: عائشة وابن عمر وابن عباس ومعاوية وأبي موسى الأشعري وابن مسعود وسلمة بن الأكوع والرّبيّع بنت معوذ وأبو قتادة وجابر بن سمرة رضي اله عنهم أجمعين.

قال الإمام البخاري في صحيحه-وهو أصح كتب السنة النبوية-:[ باب صيام يوم عاشوراء ثم روى عدة أحاديث هي:(عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء إن شاء صام ).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضانُ ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه.

وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: يوم عاشوراء عام حج على المنبر يا أهل المدينة، أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر).

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال:(ما هذا؟ قالوا هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه).

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال:(كان يوم عاشوراء تعدُّه اليهودُ عيداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فصوموه أنتم).

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره، إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر. يعني شهر رمضان.

وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:(أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أن أذن في الناس، أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء).

هذه الأحاديث التي ساقها البخاري في بابٍ واحدٍ، مع العلم أن منهج الإمام البخاري تفريق الأحاديث في عدة أبواب لمناسباتٍ يراها. فما بالك بكتب السنة الأخرى كالسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها التي روت أحاديث عاشوراء!

ثالثاً: التعالمُ آفةٌ من الآفات الخسيسة، وآفةُ التعالم قديمةٌ جديدةٌ، فالمتعالمون موجودون في كل عصرٍ وأوان، وقد ابتليت الأمة بالمتعالمين، الذين يظهرون في لباس العلماء، وحقيقتهم جهلٌ فاضحٌ، بل جهلٌ مركبٌ، فهم جاهلون ويجهلون أنهم جاهلون. وهؤلاء المتعالمين ذوي ألسنةٍ حدادٍ يسلطونها على أهل العلم، المتقدمين منهم والمتأخرين، فيسفهون أقوالهم ويلمزونهم، وينتقصونهم، ويلصقون كل مذمةٍ بهم، وفي زماننا هذا كثر المتعالمون، خاصة مع انتشار الإنترنت والفضائيات ووسائل الاتصال الأخرى، فترى كتابات المتعالمين وأقوالهم تغص بها مواقع كثيرة على الشبكة العنكبوتية، وآفة هؤلاء المتعالمين أنهم لم يتعلموا قبل أن يتصدروا، فهم قد تزببوا قبل أن يتحصرموا، أي صاروا زبيباً قبل أن يصيروا حصرماً.

وأنى لإنسانٍ أن يصير عالماً قبل أن يتعلم، بل قبل أن يتعب في طلب العلم على العلماء، فمن لم يحن ركبتيه في مجالس العلماء، لا يجوز أن تُحنى عنده الركب، ومن لم يحصل العلم كيف له أن يُعلِّم غيره، ففاقد الشيء لا يعطيه، وهؤلاء المتعالمين يزعمون أنهم قد حازوا علوم الشرع كلها، بقراءة كتاب أو كتابين، فترى بعضهم يفسر القرآن الكريم، ويستخف بابن جرير الطبري شيخ المفسرين، ولا يساوي ابن كثير وغيره من المفسرين شيئاً عنده، وآخر يعد نفسه مجتهداً في الفقه والأحكام، وكأنه أبو حنيفة زمانه، أو شيخ الإسلام ابن تيمية، وهكذا،

وهؤلاء المتعالمين ينطبق عليهم قول الشيخ ابن دقيق العيد:

يقولون هذا عندنا غيرُ جائزٍ ومن أنتمو حتى يكون لكم عندُ.

فهذا الجاهل جهلاً مركباً يزعم أن عاشوراء أكذوبةٌ وأسطورةٌ، وأن الحديث الوارد فيها موضوعٌ لا أصلَ له؟! أين علماء الأمة على مدى القرون عن ذلك؟ أين علماء الحديث الذين نقلوا لنا أحاديث عاشوراء؟ وخاصة البخاري ومسلم، كيف ما عرفوا أن حديث عاشوراء مكذوب!أين فقهاء الإسلام الذين بينوا في كتبهم استحباب صوم عاشوراء بناءً على تلك الأحاديث؟ هل اعتمدوا على حديثٍ مكذوبٍ!

هذا الزعم من هذا المتعالم بأن حديث عاشوراء مكذوب، وأنه يتحدى أن يثبت له أحدٌ صحته كأنه يقول بلسان حاله:

وإني وإن كنت الأخير زمانُهُ لآتٍ بما لم تأت به الأوائل.

رابعاً: إن تحكيم العقل في النصوص الشرعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتقديمه عليها هو منهج المعتزلة في ردِّ النصوص، ويحاول العصرانيون تجديده في زماننا، وقد قال هذا المتعالم:[شفتوا ازاي لازم نفكر ونشغل عقلنا في كل رواية نسمعها ونعرفها. أنت بالعقل لا بالجسم إنسان]وما درى هذا المتعالم أنه عرف شيئاً وغابت عنه أشياء، وكما قال الشاعر:

وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّـــــقيمِ

فقد زعم المتعالم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهل أن ذلك اليوم كان عيداً عند اليهود، وأنه اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى عليه السلام من كيد فرعون، وما درى هذا المسكين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء قبل قدومه المدينة، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:(كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه) فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى اليهود تصومه سألهم عن سبب صيامهم، ولم يسألهم عن الحكم، لأنه كان يعلمه قبلهم كما سبق في الحديث.

وزعم المتعالم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صام عاشوراء يكون تابعاً لليهود وليس متبوعاً. وهذا كلام باطل، فقوله صلى الله عليه وسلم:(فنحن أحق وأولى بموسى منكم) فهو صلى الله عليه وسلم تَبِع موسى عليه السلام في صيامه، وقد قال تعالى في حثِّ النبي صلى الله عليه وسلم لمتابعة الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}سورة الأنعام الآية 90.

وزعم المتعالم أن أول الحديث يناقضُ آخرَه، وأنه يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عاماً واحداً!فهذا جهلٌ مركبٌ، لأن المتعالم جعل عبارة (لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأُصَومنَّ التاسع) من ضمن حديث سؤال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن صيام يوم عاشوراء حين قدم المدينة، وليس الأمر كذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمر الإسلام يحب موافقة أهل الكتاب ومخالفة مشركي العرب، لكون أهل الكتاب أقرب منهم له.

وقد قال ابن عباس رضي الله عنه كما في البخاري ومسلم:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء) ثم بعدما أسلم كثيرٌ من مشركي العرب ولم يبق إلا أهل الكتاب على دينهم، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم، ومن ضمن ذلك مخالفتهم في صوم عاشوراء بأن يصوم معه تاسوعاء كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال:(حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم.

وبهذا يتضح لنا أنهما حادثتين مختلفتان، فسؤال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود كان عند مقدمه للمدينة، وأما المخالفة التي فيها ذكر تاسوعاء فكانت في آخر حياته صلى الله عليه وسلم.

خامساً: عند تتبع الأحاديث التي وردت في صيام عاشوراء يظهر أن ذلك قد مرَّ في أربعة مراحل كما يلي:

[الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء بمكة، ولا يأمر الناس بصومه.

الثانية: لما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه، فصامه وأمر الناس بصيامه، حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمسك بقية ذلك اليوم، وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛لأنه قدم المدينة في ربيع الأول.

الثالثة: لما فرض رمضان في السنة الثانية نُسِخَ وجوب صوم عاشوراء، وصار مستحباً، فلم يقع الأمر بصيامه إلا سنة واحدة…

الرابعة: الأمر بمخالفة اليهود في صيام عاشوراء…فعزم على أن لا يصوم عاشوراء مفرداً، فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم كما سبق في الحديث(فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع)قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) http: //www. saaid. net/mktarat/mohram/9. htm.

ولا يتسع المقام لأكثر من هذا الرد.

وخلاصة الأمر:

أن الأحاديث التي وردت في يوم عاشوراء وفضيلة صومه، أحاديث صحيحةٌ متواترةٌ ثابتةٌ ثبوتاً قطعياً لا شك فيه، وتحكيم العقل في النصوص الشرعية وتقديمه عليها هو منهج المعتزلة في ردِّ النصوص، ويحاول العصرانيون تجديده في زماننا وأن التعالم آفةٌ من الآفات الخسيسة، وأن الواجب الشرعي على المسلمين أن يأخذوا العلم من أهله وليس من النكرات ولا من المتعالمين، كما قال الإمام التابعي محمد بن سيرين:(إن هذا العلم دينٌ، فانظروا عمن تأخذون دينكم) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.

فالواجب على المسلم عامةً وطالب العلم خاصةً أن ينظر عمن يأخذ دينه، فلا يأخذه إلا من العلماء العاملين الصادقين، الذين ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(يحملُ هذا العلمَ من كل خَلَفٍ عدولُهُ، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) وهو حديثٌ مشهورٌ صححه الإمام أحمد وابن عبد البر وغيرهما. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا منهم.

والله الهادي إلى سواء السبيل

(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى