كتاباتكتابات مختارة

التطبيع مع الصهاينة.. وصلح الحديبية

التطبيع مع الصهاينة.. وصلح الحديبية

بقلم د. حاكم المطيري

سئلت؛ شيخنا يستشهد من يفتي بجواز التطبيع مع الاحتلال الصهيوني بصلح الحديبية، فما مدى صحة هذا الاستشهاد؟ وهل هذا القياس صحيح؟ وما هي الفروق الجوهرية بين صلح الحديبية والتطبيع الراهن؟

سبق أن فصلت القول في هذه القضية في دراسة فقهية بعنوان (الضوابط الشرعية لمعاهدات الصلح الدولية) ردا على من حاول الاستدلال بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله..

‏وعلى كل حال هذا قياس باطل الاعتبار؛ إذ إنه قياس في معارضة النص والإجماع، بل هو ضرب من التضليل للأمة، والتحريف للدين وأحكامه، وذلك من وجوه:

‏أولا: التطبيع ليس صلحا بالتعريف الفقهي الإسلامي وهو وقف القتال لمصلحة، وإلى مدة، أو دون تحديد، ما استقام العدو ولم ينقضه بعدوان أو غدر، كما هو الوارد في قوله تعالى ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾، بل التطبيع اليوم كما في بنود اتفاقياته موالاة صريحة للعدو، وموادة له، وتحالف معه، ويصل إلى حد تغيير المناهج التعليمية وتحريف النصوص الدينية من أجل تعزيره فهو من أوضح صور اتباع سبيل المغضوب عليهم والضالين المحرم بنص القرآن ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم﴾، ﴿ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم﴾ وهو أيضا من أوضح صور المظاهرة المحرمة بقوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾، وقد أجمع الفقهاء على أن ذلك ردة وكفر، وهو أيضا معاداة ظاهرة للأمة ودينها كما بدا جليا في إعلام الدول التي تطبع، واتباع لسبيل المجرمين الظالمين وركون إليهم، ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار﴾، ومظاهرة لهم على أهل فلسطين، وقد اشترط الله في الصلح ألا يكون فيه موالاة ومظاهرة للكافرين على المؤمنين، وإعانة لهم في عدوانهم عليهم ﴿إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾.

‏ثانيا: أن التطبيع قائم أصلا على الاعتراف للعدو الصهيوني بأرض فلسطين، وتعزيز وجوده، ومده بأسباب القوة كالنفط والغاز، والتعاون معه على من يجاهده من أهلها، وكل ذلك من نواقض للإسلام، فأرض فلسطين دار إسلام موقوفة على المسلمين، وليس لأحد الحق في التنازل عنها للمحتل، فضلا عن التعاون معه على قتال أهلها الذين يجاهدونه!

‏ ثالثا:  أن صلح الحديبية عقده الإمام العام للأمة آنذاك وهو النبي ﷺ، وبوحي من الله كما قال ﷺ لعمر حين اعترض عليه فقال ﷺ (إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري)، وقال عن ناقته حين بركت (حبسها حابس الفيل)، فنزل قوله تعالى ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾، ولهذا لم يشاور النبي ﷺ فيه الصحابة، فلا يصلح القياس عليه أصلا، ولهذا قال كثير من أئمة التفسير بأنه منسوخ بالأحكام التي جاءت بعده، وقد كان الصلح على وقف القتال عشر سنين فقط، لا الاعتراف لهم بجزء من دار الإسلام، بينما التطبيع مؤبد على التنازل عن أرض فلسطين التي ما زال أهلها يجاهدون العدو المحتل!

‏وليس لهذه الحكومات التي تطبع مع المحتل الصهيوني اليوم ولاية شرعية عامة على الأمة لتتصرف في شأن فلسطين والقدس، بل وليس لها ولاية شرعية خاصة على دولها ذاتها، فضلا عن بلدان المسلمين الأخرى، فهي حكومات غير منتخبة من شعوبها، ولم تخترها بالرضا والشورى، ولا تحكم بما أنزل الله، لتتصرف في شئون المسلمين! وليس بينها وبين العدو المحتل قتال أصلا لتوقف الحرب وتعقد الصلح معه!

‏فليس هذا عقد للصلح بل هو إعلان انسلاخ عن الأمة ودينها وتول للعدو الصهيوني المحتل، وانحياز إليه، واصطفاف معه، وعلى فرض أنه عقد صلح فهو عقد باطل فاقد لأركان العقد وشروطه، لعدم أهلية العاقد الشرعية، ولعدم صحة التصرف في شئون الأمة العامة، ولفقد كل شروط عقود الصلح في الفقه الإسلامي، فهو والعدم سواء.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى