كتب وبحوث

الإمارات والصوفية في مصر: خرائط الفكر والحركة

الإمارات والصوفية في مصر: خرائط الفكر والحركة

إعداد محمد عماشة

“في رمضان صيف 2012 أفسدت، دون قصدٍ مني، دعوة قدمها صديقي للحبيب على الجفري ليلقي محاضرة؛ ولم أدرك أني أنا الذي أفسدتها إلّا بعد أعوام. كان هذا بعدما رافقت صديقي لمحاضرة يلقيها الجفري في ساقية الصاوي في القاهرة، حيث كان صديقي على موعد مع الجفري لترتيب المحاضرة؛ وبينما نحن في سيارة الجفري نتبادل أطراف الحديث، ذكرت أحد العلماء المحسوبين على الإخوان، وتبع هذا صمت جعلني أتشكك إن كنت قد ارتكبت خطئًا دون أن أشعر. بعدها بأيام، وجدت منشورًا للجفري ينفي ما جاء في تقريرٍ عن هذه المحاضرة على موقع “إخوان أون لاين” أن الجفري قد أشاد بمحمد مرسي كرئيس للبلاد، لكنني اعتبرت هذا وقتها مجرد تقرير لحقيقة. هذا البحث هو توضيح للأبعاد الحقيقية لهذا الحدث الذي مررت به.”

مقدمة

تشهد مصر ازدهارًا للخطاب الصوفي في السنوات القليلة الماضية، ويرى هذا الازدهار في الترحيب بمشايخهم على الفضائيات بشكل مستمر، والاهتمام المتنامي بأخبارهم في الصحافة، وفي تقلّد بعض رموزهم لمناصب عليا في الدولة، بالإضافة إلى إفساح الطريق أمام فرق الفن الصوفي للانتشار. لكن هذا الانتشار قد تزامن مع تضييق تام لخطابات إسلامية أخرى كالإخوان (أو ما تسمى تجاوزًا بالإسلام السياسي) وبعض الخطابات السلفية.
وفي حين تُرى أصابع السياسة قابعة خلف كثير من الظواهر الدينية، فقد تبنت هذه الدراسة التنقيب عن أثر السياسة على تلك الظاهرة سابقة الذكر. فمشكلة هذا البحث في صميمها تتبعٌ للسياسي خلف الديني، والبرجماتي خلف الأيديولوجي؛ أو بلفظ أوضح وأدق، هي البحث عن أثر السياسة الإماراتية (وبالتالي سياسات نظام الانقلاب) على الخطاب الصوفي في مصر. تكمن أهمية تلك الدراسة أن الأدبيات في هذا الصدد لم تتناول ما سيتم تناوله هنا (خاصة فيما يتعلق بالصوفية الإماراتية)، وأن كل ما توصلنا إليه متعلق بموضوع دراستنا كان في الغالب تقاريرًا صحفية، أكثر منها أبحاثًا علمية.
والأبحاث الموجودة متعلقة بالصوفية الطُرُقيّة في مصر، في حين أن الصوفية الإماراتية أكثر مركزية وأهمية في بحثنا، وهي التي لم يتطرق إليها أبحاث مسبقًا. ونهدف من هذا البحث دراسة العلاقة بين الإمارات والصوفية في مصر ضمن إطار نظري يمكننا من تتبع الدوافع المصلحية، النفعية في العلاقة بين الإمارات والصوفيين في مصر.
نزعم في دراستنا هذه أن ما يحكم علاقة الإمارات (وسلطة الانقلاب) بالخطابات الدينية هي علاقة مصلحية يحافظ بها النظام السياسي على بقائه وتعظيم منافعه وتقليل خسائره؛ وعلى هذا الأساس تتأسس علاقته بالصوفيين. ندّعي أيضًا أن هناك صوفيتان في مصر: صوفية أسميناها الإماراتية، وأخرى طُرُقِيَّة تقليدية (وكلاهما مرتبط ارتباطًا عضويًّا بالأزهر وقياداته)؛ وأن الإمارات ونظام الانقلاب يدعمانهما لمواجهة تهديد سياسي من خطاب سياسي ديني (متمثل في الإسلام السياسي في الأساس)، حتى يصل الدعم إلى تمكين هذا الخطاب الصوفي (خاصة الصوفية الإماراتية) ليكون الخطاب الرسمي في مصر، بل وفي العالم السني. في المقابل، فإن الصوفية تلعب دورًا وظيفيًّا مهمًا لتثبيت أركان هذا النظام السياسي وضمان بقائه عن طريق شرعنته، وتحريم الخروج عليه، والحفاظ على الوضع القائم تحت دعاوى الاستقرار. فهي علاقة تبادل تنتفع فيها الصوفية في نشر أفكارها، وتنتفع بها الدول في تثبيت أركان حكمها.

مقدمة نظرية:

تعتمد هذه الدراسة على الإطار الذي بلوره “جوناثان فوكس” في كتابه مقدمة في الدين والسياسة: النظرية والتطبيق 1، والتي تتلخص في شكل (1).

شكل 1 إطار لفهم الدين والسياسة:

هذا الإطار يرى المعتقدات الدينية هي الحافز الرئيسي خلف أفعال معتنقيها (بما فيها أفعالهم السياسية)، إذ هذا هو الدين نفسه، والذي إن فقد قدرته الذاتية في تحفيز معتنقه على الفعل، فإنه (أي الدين) يفقد واحدة من أهم وظائفه وخصائصه. تلك المعتقدات الدينية هي الأساس الذي تبنى عليه هوية معتنقيها؛ وهي التي تملك سلطة الشرعنة أو نزعها، لاتصالها عند المعتنق بمصدر إلهي، وهي جوهر المؤسسات الدينية التي لولاها (أي تلك المعتقدات) ما كان لتلك المؤسسات هذه السلطة عند أتباعها.
لكن إطار “فوكس” لا يغفل أن الدين يتم استخدامه كأداة مصلحية، لكنه مع هذا لا يتفق مع بعض الافتراضات المستبطنة عند نظريات أخرى (كالوظيفية والفاعل العقلاني) والتي تجعل الدين مجرد أداة يصنعها ويديرها مصلحيين (على غرار قول ماركس “الدين أفيون الشعوب” مثلًا)، بل يذهب “فوكس” إلى أنّ استخدام الدين كوسيلة شرعنه نابع من شرعية الدين المستقرة في مجتمع معتنقيه، والتي هي (أي شرعية الدين) سابقة لحوسلته (بلفظ المسيري). ويضيف “فوكس” لإطاره أخيرًا الصراع بين الدين والعلمانية -القائم في معظم دول العالم- كمؤثر على التفاعل بين الدين والسياسة. ويشير “فوكس” أنّ كلّاً من هذه العوامل تحمل (وتحتاج) في داخلها المزيد من التنظير المفصل.
سنركز في هذه الدراسة على جانب المصالح السياسية ودورها في صياغة التفاعل بين السياسي والديني. وسنستعين بالزوايا التي تتعامل معها نظريات الفاعل العقلاني والوظيفية، ولكن مع الأخذ في الاعتبار ملاحظات “فوكس” سابقة الذكر. يعرض “فوكس” في فصل “الدين العقلاني الوظيفي” من نفس الكتاب عدة نظريات، سنستعرض أجزاء منها، وسنقوم بتركيب تلك الأجزاء في نموذج جديد سنستخدمه لدراسة الظاهرة موضع البحث.
في استعراضه النظرية الوظيفية، أورد “فوكس” أهم الوظائف التي تفسر بها أدبياتها وجود الدين، ويرى أن أهمها لدراسة الظاهرة الدينية/السياسية: الضبط الاجتماعي، والاستقرار الاجتماعي، يليهما الشرعنة والهوية. عملية الضبط الاجتماعي تتم خلال أوامر الدين وقواعده (كحرمة السرقة أو الخروج عن الحاكم) والتخويف من العواقب الدنيوية والأخروية من ذلك، والاستقرار الاجتماعي حاصل من حث الدين على تجنب الفتن (لكن التغيير الاجتماعي وظيفة أخرى للدين، حيث يوفر مسوغات أيدولوجية لحركات ثورية)، والشرعنة تتم بالحديث باسم الإله لإقرار أمور (كطاعة ولي الأمر) أو رفضها، وأخيرًا فالهوية تحصل برابطة العقيدة التي تجعل لأهل العقيدة الواحدة عصبية وتكافل.
ويناقش “فوكس” أهم تطبيق لنظرية الفاعل العقلاني لـ “أنثوني جيل” والتي توضح العلاقة بين الحرية الدينية (ويعرفها بعدم وجود دين رسمي للدولة وعدم التضييق على الأقليات الدينية) والحسابات المصلحية السياسية من قبل كلا السياسيين والمؤسسات الدينية (دون التعرض لأسباب دينية).
ما يهمنا في  نظريته ثلاث نقاط: (1) أهداف السياسيين في سياستهم تجاه الدين تتلخص في: بقائهم السياسي أولًا، ثم تعظيم الدخل وتقليص التكلفة ثانيًا؛ (2) يحاول السياسيون متى أتيحت لهم الفرصة استمالة الدين لدعمهم ويمكنهم في سبيل هذا إعطاء هذا الدين احتكارية متمثلة في كونه دين الدولة الرسمي، وهذه العملية رغم كلفتها إلا أنها أقل كلفة من استخدام القوة للحصول على البقاء السياسي والاستقرار المجتمعي؛ (3) كلما قلت المنافسة السياسية، كلما قل احتياج السياسيين إلى دعم دين معين وإكسابه سلطة الدين الرسمي (و العكس صحيح).
وآخر ما سنورده من نقاش “فوكس” هو تعليقه على نظرية “أنثوني جيل” الذي يؤكد فيه مرة أخرى أنه كما أن للحسابات المصلحية دورًا في مواقف السياسيين (كالبقاء السياسي مثلًا) والمؤسسات الدينية (كالهيمنة الأيدولوجية مثلًا)، فإن للمعتقدات الدينية أيضًا دور كفاعلٍ مستقل في المجتمع والسياسة (إذ الاعتقاد بامتلاك الحق المطلق مثلًا هو الذي يدفع المؤسسات الدينية للسعي وراء مصلحة الهيمنة الأيدولوجية). ولإيجاد وسيلة لمعرفة الوزن النسبي بين الدافع العقلاني المصلحي من جهة والديني من جهة أخرى في فعل المؤسسات الدينية، فإن “فوكس” يضيف ستة أبعاد وضعها “توفت”، ومجموعة من الباحثين معه لحساب مدى استقلالية المؤسسات الدينية في بلد ما:
(1) وجود دين رسمي للدولة يعوق الاستقلالية.
(2) حماية الحرية الدينية يعضد الاستقلالية.
(3) تعيين الدولة للقيادة الدينية يعوق الاستقلالية.
(4) وجود رأي رسمي للقيادة الدينية في سياسات الدولة توريط لها ويعوق استقلاليتها.
(5) تمويل الدولة للمؤسسات الدينية يعيق استقلاليتها.
(6) كون المؤسسات الدينية عابرة للحدود يعطيها استقلالية أكبر.
باستخدام ما سبق نرسم نموذجنا الموضح في شكل (2). لكن قبل هذا يجب أن ننوه أنه يمكن (بل يفضل) الحديث عن تيارات، تفسيرات، أو خطابات دينية بدلًا من الحديث عن الدين كوحدة واحدة. ففي حين أنه قد يفهم من النظريات في هذا المقام أن الدين الواحد يتم التعامل معه كوحدة واحدة كأن تدعم الحكومات مثلًا للمسيحية مقابل الإسلام (ولا خطأ في هذا)، إلّا أن الواقع أكثر تعقيدًا، فنجد أن الدين الواحد يضم تيارات أو خطاباتٍ تتنافس، ويكون للسياسة أيضًا دور مفصلي في دعم واحدة ومعاداة أخرى.
ولذا سيكون حديثنا (خاصة في هذا البحث) عن تلك التيارات أو التفسيرات والتي نعبر عنها بالـ “خطاب”، بتعريفها أنها “طريقة للتعبير عن وفهم العالم (أو جانب منه).”
هذا بالإضافة أننا نعدل العنصر السادس فيما أورده “توفت”، ليكون أن عالمية المؤسسة الدينية تزيد من استقلاليتها في حالة أن عالميتها كانت سابقة عن حوسلتها من قِبل فاعل سياسي، وألّا تكون عالميتها فِعل سياسي مُهَندَس مسبقًا.
شكل (2) يرسم نموذج لتأثير الحسابات المصلحية على تفاعل السياسي مع الديني، بناءً على ما سبق وعرضناه. استهداف الفاعل السياسي لبقائه وتعظيم منافعه وتقليص خسائره تجعله (إلى جانب أمور أخرى كثيرة) يستميل ثم يدعم خطاب ديني ليدعم شرعيته السياسية؛ والأول (أي أهدافه) ثابت، والثاني (أي سعيه لاستمالة ودعم خطاب ديني) متغير تابع يزداد بزيادة المنافسة السياسية التي تصل أقصى درجاتها إن كانت بمسوغ ديني. غاية عملية الدعم هو تمكين الخطاب الديني المدعوم من الدين الرسمي ليشكل احتكارًا وهيمنة دينية (وهو مطلب مغرٍ لمعظم الخطابات الدينية). وبزيادة الدعم أيضًا غالبًا ما تزداد تبعية الخطاب الديني للسياسي وتقل استقلاليته، بناءً على الستة أبعاد التي أوردناها عن “توفت” في الأعلى. هذا بدوره يؤدي إلى مقدار من حوسلة الدين لوظائف كالضبط والاستقرار الاجتماعيين والشرعنة، اللازمين لتقوية قدرة الفاعل السياسي على البقاء وتحقيق باقي أهدافه.
شكل 2 نموذج لتأثير الحسابات المصلحية على تفاعل السياسي مع الديني:

نقاط منهجية في البحث:

نهدف في هذه البحث دراسة الخطاب الصوفي في مصر وعلاقته بالسياسة الإماراتية باستخدام النموذج في شكل (2). وإن كان كل النظريات التي تناولناها قائمة على افتراض قُطري (أو الدولة القطرية)، فإن مستوى تحليلنا يتجاوز الدولة القطرية (الإمارات أو مصر وحدها) ليتعامل مع السياسة المحلية والإقليمية، بل ويشمل أصداء السياسة الدولية عليهما. تحليلنا في الأساس لسياسة الإمارات ليس مصر، لكننا سنوضح فيما بعد كيف أن الإمارات تعتبر فاعل سياسي حقيقي مؤثر على السياسة المصرية بعد الانقلاب العسكري في 2013، وبالتالي فإن مناقشة السياسة المصرية بعد الإنقلاب تجاه الخطاب الديني (الصوفي خصوصًا) سيكون من صميم مناقشتنا للسياسة الإماراتية. أما الخطاب الصوفي في مصر، فهو أيضًا متشابك مع خطاب صوفي إقليمي (وعالمي)؛ وتحليلنا سيتضمن عرضًا مختصرًا للخطاب الصوفي المتعلق بالإمارات عامةً، لكن تركيزنا الأساسي منصب على الخطاب الصوفي في مصر سواء كان خطاب الصوفية الإماراتية أو الصوفية الطُرُقِيّة التقليدية.

ستبدأ الورقة برسم خريطة عامة للصوفية في مصر أوضح فيها الفرق بين الصوفية الإماراتية والصوفية الطرقية التقليدية، ثم أبين خريطة رموز، مؤسسات، وهياكل كلٍّ منهما. يلي ذلك عرضٌ للسياق المفضي لدعم الصوفية، أي تصور الإسلام السياسي كتهديد سياسي/ديني للإمارات في مناخ عالمي لدعم الصوفية لمحاربة “الإرهاب الإسلامي”. بعد هذا أوضح أشكال دعم الإمارات للصوفيين، وأنهي بمناقشة تحول هذه الخطابات الصوفية إلى خطابات وظيفية تقوم بأدوار الاستقرار والضبط الاجتماعي والشرعنة.

الصوفية في مصر: نظرة عامة

الظاهر لنا أن هناك خطابان صوفيَّان في مصر: خطاب الصوفية الإماراتية (وهو خطاب مستحدث)، وخطاب الصوفية الطُرُقية التقليدي (التي تضرب بجذورها في التاريخ)، نورد التمايز بينهما، ثم نفصل فيهما، ثم نشير إلى علاقتهما بالأزهر.

التمايز بين الخطابين الصوفيين الإماراتي والطُرُقي:

السؤال الحقيقي الذي يتبادر إلى الأذهان حول هذا التقسيم هو: هل خطاب الصوفية الإماراتية مختلف نوعيًّا عن باقي الطرق الصوفية، وما هو هذا الخطاب أصلًا؟ السؤال الثاني سنتناوله بالتفصيل في قسمٍ تالٍ، لكننا نبدأ بالإجابة عنه بإظهار اختلافه النوعي عن الخطابات الطرقية. في الحقيقة، رموز الصوفية الإماراتية هم في الأساس أبناء الصوفية الطرقية، ولمعظمهم مشايخ ومريدين لا يختلفون في ذلك عن الصوفية الطرقية. لكن اختلافهما يتبلور في عدة نقاط: النشأة، التنظيم، الجمهور، حيّز الفاعلية، الأدوات، الصورة النمطية، الخطاب، والتفاعل مع السياسة لكلٍّ منهما.
أما النشأة، فنشأة الطرق الصوفية كانت نشأة أهلية في طبيعتها، على عكس الصوفية الإماراتية التي نشأت بأيدي السلطة في الإمارات. فالصوفية الطرقية في مصر نشأت في سياق تطور مدارس الزهد منذ القرون الهجرية الأولى 3 لتواجه واقعًا فاسدًا (يشمل فساد الحكام) فحملت على عاتقها التذكير بأهمية الزهد في الدنيا والانشغال بتزكية النفس. أما الصوفية الإماراتية فنشأت في قصور حكام الإمارات بِدئًا من 2002، حيث استضافوا علماءً صوفيين (طرقيين وغير طرقيين) للمشاركة في محاضرات وفاعليات عربية وعالمية وأغدقوا عليهم باسم تقدير العلماء والاحتفاء بهم، حتى تبلور هذا الخطاب حول أهداف تخدم الإمارات كما تخدم الصوفية.
أمّا الحديث عن التنظيم، فنجد الصوفية الطرقية تنتظم في طرق صوفية لها هياكلها بما فيها من هرمية المشايخ، والوكلاء، والنواب، والخلفاء، والنقباء، والمريدين؛ ويجمع بين الطرق في مصر مشيخة تسمى مشيخة الطرق الصوفية ويدير شئونها (أي الطرق) المجلس الصوفي الأعلى.في المقابل، فإن الصوفية الإماراتية تعتمد على شبكات من العلماء (من مختلف الطرق والمشارب الصوفية) والمؤسسات المهنية المحترفة. وفي حين كانت المأسسة لاحقة على الصوفية الطرقية، فإن المأسسة كانت أساسية لتبلور الصوفية الإماراتية وبزوغها.
وفي حين أن جمهور الصوفية الطرقية هم المريدون والمحبّون الذين يتواجدون في حضرات شيوخ الصوفية، وحلقات ذكرهم، وموالدهم، واحتفالاتهم، وغيرها؛ فإن جمهور الصوفية الإماراتية أوسع بكثير، إذ يشمل العلماء من ناحية والعامة من ناحية أخرى. وإن كانت الصوفية الطرقيّة تركز اهتمامها على المريد، فإن الصوفية الإماراتية تركز على العامة ليصبحوا مريدين صوفيين. فالأولى علاقة شيخ بمريده، والثانية علاقة داعية بالعامة (إلى جانب علاقة عالم بعالم). وهذا مرتبط بحيز الفاعلية، إذ الصوفية الطرقية محليّة الاهتمام والفاعلية (وإن كانت بنت طريقة عالمية)، في حين أن حيز فاعلية الصوفية الإماراتية إقليمي ودولي، وهذا بارز في شبكاتها التي لا تشمل العالم الإسلامي فقط، بل تمتد إلى أوروبا وأمريكا. الأولى قد تنتمي لطريقة عالمية أو للاتحاد العالمي للطرق الصوفية، لكن تأثيرها يبقى في حيز مريديها المحليين؛ والثانية عالميتها جزء من مشروعها الذي تبغي تحقيقه.
و الصورة النمطية للصوفية الطرقية عند الناس عامةً قد يشوبها شبهات البدع والخرافة واستغراب الطقوس، أما الصوفية الإماراتية فصورتها النمطية صورة علمائية إذ أغلب رموزها من العلماء ذوو القدر في الأوساط العلمية.وإذا أتينا إلى الأدوات، نجد أن الصوفية الطرقية تعتمد الأدوات التقليدية من الحضرات، حلقات الذكر، والموالد، واحتفالات الهجرة، ووجودهم على القنوات الفضائية يكون محصورًا غالبًا على علماء الأزهر منهم بصفتهم الأزهرية العلمائية (فتواجد شيوخ الصوفية على الإعلام غالبًا ما يكون لمناقشة قضية أكثر من كونه أداةً للوعظ الصوفي)؛ أما الصوفية الإماراتية فأدواتها احترافية إلى حدٍّ كبير وتشمل الاستخدام المحترف لمواقع التواصل الاجتماعي، القنوات الفضائية، المبادرات، المؤتمرات العالمية، وغيرها.
وفي حين أن خطاب الطرق الصوفية هو خطاب بطبيعته روحاني منصب على تزكية النفس وحب آل البيت، فإن خطاب الصوفية الإماراتية خطاب علمائي فقهي سياسي كما هو خطاب روحاني تزكوي، وذلك للطبيعة العلمائية لرموزها ولانشغالها بالرد على الخطابات السلفية، والجهادية، والإخوانية. وأخيرًا، فإنه وإن كان كلا الخطابان مؤيدان للسلطة، فإن السلطة لا ترتجي من الصوفية الطرقية أكثر من ولاء الطرق ودورهم في الضبط الاجتماعي وسط مريديهم حيث تنتهي حيز فاعليتهم، في حين أن السلطة تهدف أن تجعل للصوفية الإماراتية السلطة الدينية الرسمية لما لهم من حيز فاعلية أكبر، وصورة ذهنية إيجابية، وتواجد في مناصب دينية رسمية، بالإضافة إلى ارتباطهم الوثيق بالسلطة أكثر من الطرق الصوفية.وهنا يجب الإشارة أن رموز الصوفية الإماراتية لم ينشئوا داخلها، بل تلقفت الصوفية الإماراتية بعض الرموز الصوفية المتصلة بالأنظمة الحاكمة لتجعل منهم خطابًا موحدًا، لكنهم في الأساس لهم طرقهم، ومناصبهم، وقيمتهم العلمية.

الصوفية الطرقية التقليدية

في هذه القسم سنحاول إبراز ملامح عامة للصوفية الطرقية التقليدية في مصر وذلك بالحديث عن عددها، وتقنينها، وهيكلتها، وعلاقتها بالسلطة.
بدايةً، تحوي مصر على الأقل بضع وسبعين طريقة صوفية مسجلة ومعترف بها من قبل الدولة، بالإضافة إلى طرقٍ أخرى غير مسجلة سواء كانت مصرية أو أجنبية. ويزعم البعض أن كل الطرق المصرية في حقيقتها متفرعة من من أربع طرق رئيسية: الرفاعية، البدوية، الشاذلية، والقنائية.9وقد بدأ تقويض أهلية الطرق الصوفية واستقاليتها بمحاولات تقنينها بأدوات الدولة الحديثة التي أنشأها محمد علي، وذلك بتعيين زعيم لجميع الطرق الصوفية بما في ذلك جميع الزوايا والتكايا والأضرحة، ومنذ ذلك الحين بدأ تنظيم الطرق الصوفية بالقوانين الحديّة للدولة المصرية الحديثة،10 وليكون أهم جهد تقنيني للطرق الصوفية بعد هذا في قانون رقم (118) لعام 1976 في عهد السادات.
وتتبع هيكلة الطرق الصوفية الحالية ما نص عليه القانون سالف الذكر، فيكون للمجلس الأعلى للتصوف السلطة الأعلى في إدارة شئون الطرق الصوفية، وهو متكون من ستة عشر عضوًا: شيخ مشايخ الطرق الصوفية الذي يعينه رئيس الجمهورية، وعشرة أعضاء من مشايخ الطرق الصوفية منتخبين من الجمعية العمومية لمشايخ الطرق الصوفية، وخمسة آخرين يتم تعيينهم من الجهات التي يمثلونها وهي وزارات الداخلية، الأوقاف، الثقافة، والتنمية المحلية والأزهر.11 هناك بعض المؤسسات الصوفية الطرقية ولكن ليست ذو ثقل حقيقي،  كنقابة الأشراف التي تُعنَى بدراسة الأنساب والتعارف بين أبناء البيت النبوي (و رئيسها يعيّن من قبل رئيس الجمهورية منذ 1991، ورئيسها الحالي السيد محمود الشريف الذي عينه مبارك عام 2008)12 ، والاتحاد العالمي للطرق الصوفية (الذي هو في الحقيقة اتحادًا للطريقة العزمية فقط)13 ، وجمعية علماء الطرق الصوفية، والاتحاد العالمي لعلماء الصوفية (الذي دُشّن في 2012بزخم كبير من صوفية أزاهرة بما فيهم رموز الصوفية الإماراتية، لكن الظاهر أنه لم يستكمل) 14.
عمليات التقنين بشكل طبيعي تؤدي إلى (بل تهدف إلى) إضعاف استقلالية المُقنَّن. وبعدما كانت الطرق الصوفية في مصر أهلية تتمتع باستقلالية عفوية ساعدتها على التعبئة في الجهاد ضد المستعمر الفرنسي مثلًا، كان تقنينها حدثًا فاصلًا في تبعيتها لسلطة الدولة.
وإذا نظرنا للعهد الجمهوري للدولة المصرية، فإننا نجد أن صلات الصوفية بعبد الناصر والسادات ومبارك كانت صلات تعاون وانصياع إلى حدّ كبير. فالصوفية أيدت الأنظمة مطلقًا، ولم تنشأ بينهم اختلافات إلّا في حالات محاولة النظام التدخل في البيت الصوفي بالقسر على غير الأعراف. لكن الاختلافات حتى لم تؤدّ بالصوفيين إلى مناهضة السلطة على كلّ حال. فعبد الناصر عيّن أحدهم كشيخ المشايخ الصوفية على عكس الأعراف ما أثار بعض التوتر الذي لم يتطور بأي شكل، فأيد الصوفية عبد الناصر في حملاته على الإخوان، وخرجوا في مسيرات مؤيدة له بعد التنحي15 . وكذا الحال مع مبارك الذي عيّن عبد الهادي القصبي، عضو الحزب الوطني آنذاك، لمنصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية، قبل الثورة بشهور، بدلًا من علاء أبو العزائم، أكبر المشايخ الصوفية، حسب التقاليد. ورغم الصراع الذي دار بين جبهتي القصبي وأبو العزائم للسيطرة على المجلس الأعلى، فلا يوجد دليل على مشاركة أيٍّ منهما في الثورة. وظلت الصوفية الطرقية موالية لنظام مبارك القديم، فعارضت الإخوان ودعمت انقلاب السيسي.

الصوفية الإماراتية

نتناول الصوفية الإماراتية في هذا القسم من حيث تشكلها وتطورها، أهم رموزها، وأهم مؤسساتها.

تشكل وتطور الصوفية الإماراتية

يمكن حصر تطور الصوفية الإماراتية في خمسة مراحل: التشكل (2002)، التَمَأسُس (2005)، التبلور (2009)، التسيس (2011)، التحقق (2013).
بدأ تشكل الصوفية الإماراتية، كما أسلفنا، بدعوة الإمارات مشاهير من علماء الصوفية المعروفين بصلاتهم الطيبة مع السلطة في بلادهم بِدءًا من 2002 لإلقاء محاضرات، والمشاركة في مسابقات عن حب النبي (صلى الله عليه وسلم) كما الحال في جائزة البردة السنوية. ومرحلة التشكل كانت لتكوين شبكة من العلماء الصوفيين، وتقوية الصلات فيما بينهم وبينهم وبين الراعي والمستضيف (الإمارات). بتكوين تلك النواة، استطاعت الصوفية الإماراتية في 2005 التمأسس في مؤسسة طابة التي ضمت في مجلسها الاستشاري الأعلى مجموعة من كبار العلماء الصوفية في العالم العربي من مصر، سوريا، موريتانيا، الأردن، واليمن.16   في هذه الفترة تداخلت الصوفية مع العلماء في إطار حوار الأديان كما كان الحال بعد الرسومات المسيئة للنبي في الدينمارك17 و مبادرة كلمة سواء للحوار بين علماء المسلمين والمسيحيين18 . في ذات الوقت، شهدت هذا الفترة ظهورًا أكبر للصوفية الإماراتية لعموم المسلمين من خلال مسابقة جوائز المحبة التي عقدت مرتين وجمعت فيها كثير من مشاهير أهل العلم والفن من كل أنحاء العالم المسلم (بالإضافة إلى حكام الإمارات) 19. فمرحلة المأسسة كانت للانتشار الممنهج كجماعة صوفية بين أوساط العلماء وعموم المسلمين.
بالانتشار الذي حققته الصوفية الإماراتية، بدأت بلورة خطابها (ذي الأبعاد السياسية والمصالح الإماراتية الصوفية المشتركة) علنًا في عام (2009) ومن مصر (بما لها من سلطة ثقافية ومعنوية في العالم العربي والإسلامي).20 يتمحور هذا الخطاب في المحاور الآتية: مناهضة الإرهاب (أو الحركات الجهادية)، والسلفيين، والإسلام السياسي، والدفاع عن علاقات مهادنة بين العلماء والحكام، وأخيرًا توحيد مرجعية أهل السنة والجماعة (خلف قيادة أزهرية صوفية). وتم هذا بالظهور في الإعلام المصري بشكل مكثف 21، وزيارات متكررة لقيادات في الأزهر الشريف كشيخ الأزهر، ورئيس جامعة الأزهر، ومفتي الجمهورية حينها22 (الذين سيصبحون لاحقًا هم عماد الصوفية الإماراتية في مصر). فمرحلة البلورة كانت مرحلة نشر لخطاب سياسي أكثر من كونه صوفي، وتقرب من قيادات الأزهر (المحسوبة على النظام).
مع ثورة يناير 2011، كانت مرحلة التسيس التي انصب فيها جهد الصوفية الإماراتية على توجيه الرأى العام المصري بسحب بساط الشرعية الدينية عن الإخوان والسلفيين؛ وبعدما كانت برامج رموزها وعظية، تحولت لتكون لمناقشة قضايا سياسية/اجتماعية تنشر الخطاب الذي أسلفنا محاوره23 . وأخيرًا، فإن مرحلة التحقق جاءت مع انقلاب مصر في 2013، بحيث استطاعت الصوفية الإماراتية تحقيق خطابها على أرض الواقع بدعم مؤسسي كبير من الإمارات ونظام الانقلاب (وغيرها من الأنظمة الموالية كالأردن والشيشان). هذا التحقق شمل عمل ممنهج لنزع الشرعية الدينية عن الإخوان والمعادين للسلطة، ولتثبيت صورة العالم المؤيد للسلطة، ولتوحيد المرجعية السنية خلف الأزهر، وتوكيد مكانة التصوف في الخطاب السني (وسيمر معنا تفصيلٌ في هذا لاحقًا).

شبكة علماء الصوفية الإماراتية

أمّا الحديث عن رموز الصوفية فنقسّمهم هنا تِبعًا لفاعليتهم في مصر من عدمها، فنركز على الفاعلين ونبدأ بهم ونتبعهم بالآخرين ونقتضب الحديث عنهم؛ ونتناولهم جميعًا من حيث صلتهم بالسلطة والتصوف وبداية اتصالهم بالصوفية الإماراتية.
يعد الحبيب علي الجفري (من طريقة آل باعلوي اليمنية) هو الشخصية المركزية في الصوفية الإماراتية، ويرجع ذلك إلى كونه أول من دعتهم الإمارات وقربتهم من حكامها منذ عام 200224 ، قبل أن يتم دعوة البقية في عام 2004 مع بدء جائزة البردة25 وما تلاها؛ فالجفري يعد هو المنسق الرئيسي لهذا الخطاب، وهذا واضح في رئاسته لمؤسسة طابة التي جمعت صفوة من علماء الصوفية. ما يجعل الجفري مركزيًّا أيضًا هو أنه لم يتم استيعابه في خطابات أخرى قبل أن يتواجد في الصوفية الإماراتية، على غرار باقي رموز هذا الخطاب ذوو الأدوار الدينية في سياقات أخرى. وهو مركزيٌّ في النجاحات الوظيفية في مصر التي حققتها الصوفية الإماراتية لما له من دور في التأثير على الرأي العام الديني بما لخطابة من قبول وانتشار واسعيين خلال برامجه ومواقع التواصل الاجتماعي (مقارنةً بالرموز الأخرى التي أفقد من سلطتها عند الشعب قربها الواضح من السلطة، وانحيازها لها أثناء الثورة).
علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق المعين من قِبل حسني مبارك، يعد هو الآخر من رموز الصوفية الإماراتية البارزين، فهو عضو المجلس الاستشاري الأعلى في طابة، ويجمعه بالجفري (و بالصوفية الإماراتية) علاقة وثيقة منذ بداياتها تقريبًا، وهو شيخ الطريقة الصديقية الشاذلية التي أسسها في 201826 . من الرموز أيضًا أسامة الأزهري، تلميذ علي جمعة، ومستشار السيسي للشئون الدينية بقرار رئاسي عام 201427 ، ووكيل لجنة الشئون الدينية في البرلمان بالتزكية عام 201628 ، وهو ضيف مشترك مع الجفري على القنوات الفضائية منذ 201229 . أحمد الطيب، شيخ الطريقة الخلوتية الحسانية السابق وشيخ الأزهر30 ، هو الآخر من رموز هذا الخطاب؛ وهو الذي عينه مبارك شيخًا للأزهر وكان عضوًا بأمانة السياسات للحزب الوطني الحاكم؛ وقد تكون، على حد معلوماتنا، بداية اتصاله بالصوفية الإماراتية في مبادرة كلمة سواء 2007 (و التي ضمت 140 مُوَقِّعًا من مختلف التيارات)31 ، لذا لعل الأهم كانت زيارات الجفري له في 2009 بصفته رئيس جامعة الأزهر، وتهنئته وزيارته بصفته شيخ الأزهر في 2010 بهدف التعريف بطابة كمؤسسة تردف “علماء الأمة وقادة الرأي بالبيانات والتحليلات اللازمة لمعرفة واستيعاب ما يجري على الساحة العالمية من أحداث وأفكار ومؤسسات، بما يعينهم على صياغة تصور منهجي وعلمي واضح عن وعي وبصيرة”32 . (قد يكون من المهم ذِكر أن شوقي علّام مفتي الديار المصرية الحالي ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم وعضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، أيضًا يلعب دور كبير في تحقيق أهداف خطاب الصوفية الإماراتية، وذلك لمنصبه، وله تصريحات تشير إلى أهمية الصوفية لمواجهة التطرف 33، غير أني ما توصلت لما يفيد صوفية نشأته؛ وسنتناوله في إطار تحليلنا لدوره المؤثر)
ومجيئًا لأعلام الصوفية الإماراتية الأقل فاعلية في مصر، فإن شيخ طريقة آل بعلوي وشيخ الجفري: اليمني الحبيب عمر بن حفيظ؛ من أعلامها واتصاله بها يعود على الأقل إلى 2004. الشيخ السوري محمد سعيد البوطي (المعروف بصلاته الجيدة مع النظام السوري) أيضًا يعد من أهم رموز الصوفية الإماراتية منذ 2004. رمز آخر من رموز الصوفية الإماراتية منذ 2005 على الأقل، وخاصة فيما بعد 2013 هو: الشيخ الموريتاني عبد الله بن بية الذي كان سابقًا وزيرًا للعدل والتعليم ونائبًا لرئيس موريتانيا. وأخيرًا نوح القضاة، السفير الأردني ومفتيها الأسبق. وجميعم من أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى لطابة.34

شبكة مؤسسات الصوفية الإماراتية

سنقسم مؤسسات الصوفية الإماراتية التي نتناولها إلى قسمين: مؤسسات أساسية، مؤسسات متعاونة، بحيث نفصل في الأولى ونختصر في الثانية؛ وسنتناول المؤسسات الأساسية من حيث زمان إنشائها وتوصيف مقتضب لها وعلاقتها بالسلطة والهدف من ورائها. ويظهر جليًّا لنا أن المؤسسات الأساسية قد تكاثرت فيما بعد 2013، ولهذا مدلول يظهر في القسمين القادمين.
تعد طابة التي تأسست عام 2005 في الإمارات هي محضن الصوفية الإماراتية كما يتضح بما أسلفناه، وهي مؤسسة غير ربحية تنقسم فاعلياتها إلى ثلاث: الأبحاث، المبادرات، والاستشارات. الدراسات والفاعليات في قسم الأبحاث ذات طبيعة مجردة (تتناول قضايا أونطولوجية، أبستمولوجية، وأكسيولوجية من منظور إسلامي)، ومعظم باحثيها من مسلمي الغرب، والظاهر أن الهدف منها التداخل والتشبيك مع الأكاديميين.35 مبادرات طابة تهدف إلى التطبيق الواقعي لسياساتها عن طريق مشاريع كـــ”سـند” (2016) والتي هي مبادرة احترافية على مواقع التواصل الاجتماعي لمهاجمة أفكار الجهاديين، السلفيين، والإخوان ورموزهم بشكل صريحٍ جدًّا36 ؛ و”روضة النعيم” (2017) التي تعد حضرةً للجفري وابن حفيظ في مصر بجانب جامع الحسين37 ، وغيرها.38أما الجانب الاستشاري فيهدف التشبيك مع المؤسسات عن طريق تقديم استشارات في التطوير الإداري وما إلى ذلك، والمؤسسات المتعاونة التي سنتناولها معظمها عملاؤهم.
في عام 2014 ظهرت مؤسستان علمائيتان أخرتان في الإمارات وبدعم حكومي تحت قيادة رمزين من الصوفية الإماراتية وهما: منتدى تعزيز السَّلم في المجتمعات المسلمة، ومجلس حكماء المسلمين. الأول تحت رئاسة الشيخ بن بية، ورعاية عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات، ويهدف إلى تأصيل علمائي لمسألة السِّلم بنزع غطاء الشرعية عن كل ما يهدد السّلم (أو الوضع القائم بتعبيري) وذلك بجعل السلام مقصد الشريعة، وبنزع الشرعية الدينية عن أي استخدام ديني لمفهوم الجهاد لمواجهة غير المسلمين، أو الدولة الإسلامية لمواجهة الدولة الوطنية.39 أمّا مجلس حكماء المسلمين فلا يخلتف هدفه كثيرًا عن منتدى تعزيز السلم، إلّا أنه يأخذ طابعًا مؤسسيًّا أزهريًّا أكثر من كونه منتدى للعلماء، إذ برئاسة شيخ الأزهر يقوم المجلس بإصدارات عن السلام، ومواجهة “الأفكار المغلوطة”، بالإضافة كإرسال بعثات من الأزهر إلى دول غير مسلمة تعرفهم “بالإسلام الوسطي”. في 2014 أيضًا أنشأت دار الإفتاء المصرية (كمؤسسة رسمية تابعة لنظام الانقلاب) مرصدًا للفتاوى التكفيرية والشاذة يرصد فيها الخطابات الإخوانية، السلفية، والجهادية ويحاول ضحد آرائهم ويستنكر أفعالهم. 40و في 2015 أطلقت دار الإفتاء المصرية- مع أكثر من 35 مفتيًا من دول مختلفة حول العالم- الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم برئاسة شوقي علام، والتي تسعى لمواجهة التطرف عن طريق توحيد المرجعيات الإفتائية في العالم لضبط الفتاوى، خاصةً الفتاوى عند الأقليات المسلمة. 41
من المؤسسات الأخرى التي تقع في فلك الصوفية الإماراتية، بل يمكن القول أنها أول مؤسساتها هي دار الفقيه للنشر والتوزيع، التي افتتحها عام 2004 محمد بن زايد بصحبة العلماء الصوفية الذين دعاهم حينها كضيوف لجائزة البردة42 ؛ وتنشر الدار كتابات أسامة الأزهري، الجفري، علي جمعة، ابن حفيظ، البوطي والقضاة43 .
أما المؤسسات المتعاونة (التي تتلقى استشارات تنظيميًّة من طابة) فمنها دار الإفتاء المصرية، دار زايد للثقافة الإسلامية، تريم للبحوث والاستشارت الفقهية، مركز النور للدراسات والأبحاث، المدينة للإنتاج والتوزيع، مركز اللسان الأم وغيرها. ومن المؤسسات المتعاونة الأخرى، مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي (وما يتبعها من مؤسسات ومشاريع) والتي تدار تحت رعاية ملك الأردن وتهتم بالسلام وحوار الأديان. نظمت المؤسسة مبادرة “كلمة سواء” مع طابة في 2007، وتضم الجفري، علي جمعة، الطيب، وابن بية ضمن كبار زلائها، وتستضيف علي جمعة والأزهري في كل فاعليتها السنوية تقريبًا منذ 2014.44 من المؤسسات المتعاونة الأخرى مؤسستان شيشانيتان تتبعان الحكومة الشيشانية (التي تدعم بدورها الصوفية لتثبيت أركان حكمها) وهما: صندوق أحمد قديروف الإقليمي الخيري، ومؤسسة دعم الثقافة الإسلامية والعلم والتعليم، الراعيتان لمؤتمر الشيشان بالتنسيق مع “طابة” (و سنناقش المؤتمر فيما بعد).

الصوفية والأزهر

من المهم إنهاء هذا القسم عن الصوفية بمصر بعلاقتها بالأزهر، إذ سيكون الأزهر المطية التي ستستخدمها الإمارات أكثر شيءٍ لتحقيق أهدافها. ولموضعة الأزهر في الخريطة السياسية المصرية، نجد أن الأزهر قد تم القضاء على استقلاليته تمامًا في عهد عبد الناصر بإفقاد الأزهر استقلاليته المادية (بتحويل إدارة الأوقاف إلى وزارة الأوقاف)، واستقلاليته في اختيار شيخه (إذ أصبح شيخ الأزهر بتعيين الرئيس بعدما كان الرئيس يختار من مرشحين يختارهم هيئة كبار العلماء)، إلى جانب أمور أخرى.45 لكن تناولنا للأزهر في هذا البحث لن يقتصر على جامع الأزهر وجامعته، بل نُدخل في هذا المؤسسات الدينية الأخرى التي يديرها شيوخ الأزهر أيضًا كدار الإفتاء ووزارة الأوقاف، إذ كلا هاتين المؤسستين أقرب للسلطة من مشيخة الأزهر التي تتمتع باستقلالية أعلى يحميها حصانة شيخ الأزهر من العزل (بل إن شيخ الأزهر قد تكررت مواقفه التي تخالف الاتجاه الرسمي). وسنرى كيف أن دار الإفتاء مُسند لها دور جوهري في عملية فرض الهيمنة الصوفية الأزهرية على العالم السني.
أمّا الحديث عن الصلة بين الأزهر والصوفية، فإنه يمكن الحديث عن صلة عضوية بينهما، إذ كثير من المسئولين الأزهريين الكبار هم في الأصل متصوفة. ونورد بعض الأسماء ومناصبها من الأزهريين المتوصفة لندلل على ذلك: فكما تقرر معنا أن الطيب، علي جمعة، أسامة الأزهري من المتصوفة، فإن آخرين في هئية كبار العلماء من المتصوفة أيضًا كمستشار شيخ الأزهر (محمد مهنا)، ورئيس المكتب الفني السابق لشيخ الأزهر (حسن الشافعي)، ووكيل الأزهر (عباس شومان)، وأمين عام الدعوة السابق (محمد الحامدي)، ورئيس جامعة الأزهر (محمد المحرصاوي)، ونائب رئيس الجامعة (محمد أبو هاشم)، وعميد كلية أصول الدين (عبد الفتاح العواري) بالإضافة لغيرهم من مشاهير الصوفية في هيئة كبار العلماء كأحمد عمر هاشم، وسعد الدين الهلالي.46 وانبراء ثلة من هؤلاء العلماء لتشكيل الاتحاد العالمي لعلماء الصوفية خير دليل على ذلك.
واتصال الأزهر العضوي بالصوفية الإماراتية خصوصًا يظهر في عضوياتهم في مؤسساتها؛ فالطيب (شيخ الأزهر) رئيس مجلس حكماء المسلمين، وكلا حسن الشافعي (رئيس مكتبه الفني السابق) ومحمود زقزوق (رئيس الأوقاف الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، والأستاذ بجامعتها) عضوان في المجلس؛ وعلي جمعة (مفتي مصر السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر) عضو الهيئة الاستشارية لطابة؛ وشوقي علام (مفتي مصر الحالي) عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.
زد على هذا أن أسامة الأزهري ذو الظهور الإعلامي الدائم مع الجفري هو نائب السيسي للشئون الدينية وكذا وكيل الشئون الدينية في البرلمان، كما أسلفنا.  هذا بالإضافة أن بن بية وحمدان المزروعي (رئيس هيئة الشئون الإسلامية والأوقاف بالإمارات) قد تم إدماجهم في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر في 2014.47 ورئاسة شيخ الأزهر ورعاية وزارة الأوقاف والرابطة العالمية لخريجي الأزهر مؤتمر “التصوف منهج أصيل للإصلاح” المدعوم أيضًا من مشيخة الطرق الصوفية وطابة48 ، دليل آخر على هذا الارتباط. كل هذا سيجعل الأزهر (ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية) في دائرة تحليلنا.

الإمارات وتهديد الإسلام السياسي

الفاعل السياسي

سنحاول هنا تنزيل مصطلح الفاعل السياسي الذي استخدمناه في نموذجنا على الحالة التي ندرسها، ونقصد به أساسًا الإمارات (خاصةً أبو ظبي)، ولكن سنبين كيف أن دولة مبارك العميقة فيما بعد الثورة، خاصة النظام الذي أسسته فيما بعد الانقلاب ستدخل ضمن “الفاعل السياسي” الذي نتناوله إذ سياساتها تعكس بشكل كبير سياسات الإمارات كحليف وداعم رئيسي. ونقصد بدولة مبارك العميقة المؤسسات والأشخاص الذين كان لهم مصالح مع النظام في فترة مبارك وتضرروا من الثورة وحاربوها حتى وصلوا للحكم مرة أخرى مع الانقلاب (وتستخدم لفظة “فلول” للتعبير عنهم).
تماهي سياسات مصر مع أبو ظبي لا تخطئه عين وتم تناوله في مئات المقالات والتسريبات، وسنحاول أن نعرض بعض القرائن التي تدلل على هذه الحقيقة. سر تبعية السيسي للإمارات تكمن في حاجته إلى قوتها الاقتصادية التي تمكن الإمارات من تمويل نظام السيسي من جهة، وتضمن لها قوة ديبلوماسية عالية احتاجها السيسي لشرعنة نظامه وشيطنة منافسيه (الإخوان) في المجتمع الدولي، من جهة أخرى.
أما الحديث عن التمويل فيبدأ بتمويل الإمارات لحركة “تمرد” ضد مرسي 49، اللازمة لإظهار إنقلاب السيسي وكأنه ثورة شعبية. يلي ذلك بلايين من الدولارات ضختها الإمارات وحليفاتها من الخليج في مصر بعد الإنقلاب مباشرة 50، والتي أظهر أحد التسريبات حاجة السيسي الماسة إليها51 . تسريبات أخرى أظهرت تخطيط الإمارات لاستغلال اعتماد السيسي عليها اقتصاديًّا لحكم مصر فعليًّا بتدعيم سيطرتها على الاقتصاد المصري بالانتقال من مجرد الهبات غير المشروطة إلى شراكة كاملة مشروطة بشروط كرفع الدعم على البنزين، وتمكين الإمارات من وضع استراتيجية سعر الجنيه بالنسبة للدولار، وأخيرًا العمل على تصغيير جسم البيروقراطية في مصر .52   تطور هذا لجعل الإمارات محتكرًا لبعض القطاعات الاقتصادية ذات الخطورة على الأمن القومي كقطاع الصحة وقطاع الاتصالات والتكنولوجيا (الذي انحصر في مصر قبل هذا على جهات سيادية أو شراكتها مع أجانب بعد موافقات أمنية)، وشريكًا في مشاريع عملاقة كمنطقة قناة السويس، ومشروعات عمرانية، إلى جانب استثماراتها العملاقة في قطاعي النفط والنقل.53 
أمّا علي صعيد الدعم الديبلوماسي، فقد لعبت الإمارات دورًا كبيرًا في شيطنة الإخوان (و الذي بدوره يثبت أركان السيسي)، ويتضح هذا مع ابتزاز محمد بن زايد لرئيس وزراء بريطانيا بإلغاء صفقات سلاح وامتيازات اقتصادية أخرى إن لم تغير بريطانيا سياستها تجاه الإخوان المسلمون لتراها عدو كما تفعل الإمارات،54 أو مع الأموال التي دفعتها الإمارات لأحد شركات العلاقات العامة لتحث الصحفيين البريطانيين لإنتاج مواد تهاجم الإخوان (و قطر)55 ، بالإضافة إلى تبرعاتها الهائلة لمراكز بحثية (و “ثينك تانكس”) المؤثرة كمؤسسة الشرق الأوسط الأمريكية56 . هذا بالإضافة إلى جهودها في التطبيع مع السيسي باعترافها ودعمها وتيسير شرعنته في المجتمع الدولي.
كل هذا كان كفيلًا لتكون الإمارات ذات نفوذ في صناعة القرار في مصر، وتنفيذ سياساتها. أولى القرائن على هذا أنه في حين كانت قطر في بدايات الانقلاب تحاول التوصل مع الجيش لحل الأزمة سلميًّا، أصر الجيش على وجود وزير الخارجية الإماراتي في محادثاتهم، وهو الذي بدوره قد أفشل تلك المحاولة؛ ما يوضح نفوذ الدور الإماراتي. 57 بل إن نفوذ الإمارات يصل إلى نقل حرفي لبعض النصوص القانونية من القانون الإماراتي للقانون المصري. 58 أمّا أهم القرائن بالنسبة لبحثنا، هو تبني الأزهر (المؤسسة الدينية الرسمية في مصر) خطاب الصوفية الإماراتية، وطغيان ظهور الجفري وتقريبه على حساب بعض الرموز الأزهرية كشيخ الأزهر.59

تهديد الإسلام السياسي

سيكون تناولنا لتهديد الإسلام السياسي من خلال علاقته بفاعلينا السياسيين: الإمارات، ودولة مبارك العميقة فيما بعد الثورة ونظامها الانقلابي. ويهمنا التنويه هنا أن التهديد يقصد به شعور الفاعل السياسي بالتهديد لبقائه السياسي، فنحن لا نتكلم عن كونه تهديد حقيقي من عدمه، لكننا نتكلم عن تصور الفاعل السياسي (الإمارات) لمجموعة (الإسلام السياسي) تنافسها سياسيًّا بمسوغ ديني بأنها تهديد لشرعيتها وبالتالي لبقائها السياسي (سواء أكان هذا تهديد واقعي أم لا).
و لنبدأ بالإمارات، حيث كانت علاقتها بالإسلام السياسي (أو جمعية الإصلاح، فرع الإخوان في الإمارات) جيدة فيما بين الخمسينات والثمانينات من القرن العشرين، إذ كانت الدولة تدعمهم لمحاربة مد الشيوعية والقومية العربية، وبانتهاء الحرب الباردة تولى العديد من أعضاء الإصلاح مناصب مهمة في الدولة كوزارة التعليم ووزارة العدل والشئون الدينية.60 نفوذ الإخوان في الدولة بدا مقلقًا للحكومة الإماراتية التي سعت في الحد من نفوذهم خلال الثمانينات، وشنت حملتها عليهم في عام 1994 بحل مجلس إدارة جمعية الإصلاح ووضع فروعها تحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية،61 وبذلك تم تجميد فاعليات الإصلاح الخارجية، وتم تحجيم فاعلياتهم السياسية في الداخل الإماراتي ومنعهم، من قِبل الحكومة المركزية، من تولي أي مناصب في الدولة62 . تُعزَى حملة 1994 إلى زيارة مبارك في نفس العام للإمارات والشكوى المقدمة من السلطات المصرية لدولة الإمارات حيال تمويل الإصلاح لجماعة الجهاد المصرية، فتم حل مجلي إدارة الجمعية بعدما أثبتت تحقيقات إمارة أبو ظبي هذه الاتهامات (في حين تم تبريئهم في تقرير لجنة التحقيق في دبي). 63 
مع أحداث الحادي عشر من سبتمر عام 2001 ومع وجود اثنين من الإمارتيين ضمن منفذي العملية، شعرت الإمارات بضغط لإظهار جهودها المناوئة للإرهاب فألقت القبض على “مشتبه بهم” غالب الظن أن لهم تعطاف مع الإسلام السياسي؛ ومنذ ذلك الحين تعتبر الإمارات من أهم المروجين للحرب على الإرهاب والحلفاء للغرب.64 عام 2003 شهد محاولات لمحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، للوصول لاتفاق مع قادة الإصلاح لإنهاء نشاطهم السياسي والتركيز على الجانب الدعوي وفقط، ومع رفض الإصلاح لهذا العرض بات الصراع بينهما حتميًّا ومستمرًا حتى الآن.65 (نجد أن أبو ظبي، كما أسلفنا، كانت قد بدأت بدعوة رموز التصوف في عام 2004 وأردفت ذلك بمؤسسة طابة في 2005).
مع اندلاع الثورات العربية (أو ما يسمى بالربيع العربي) قدم 133 مثقّفًا إماراتيًّا (فيهم أعضاء من الإصلاح وآخرون ليبراليون) عريضةً للشيخ خليفة بن زايد، رئيس الإمارات وحاكم أبو ظبي، وللمجلس الأعلى للاتحاد الذي يضم حكام الإمارات السبعة، يطالبونهم فيها بإنشاء برلمان منتخب للبلاد.66 أمام هذا التهديد للشرعية الملكية شبه المطلقة التي يتمتع بها حكام الإمارات، قامت الحكومة بعد شهر باعتقال خمسة من الموقعين بتهمة الإساءة للشيخ خليفة، وصدرت عليهم أحكام سجن بخمس سنوات، إلّا أن عفوًا رئاسيًا أنهى اعتقالهم.67 لكن الإمارات عاودت في ديسمبر من نفس العام قمعها لأعضاء الإصلاح بسحب الجنسية عن سبعة منهم واعتقالهم بتهمة الإرهاب وتهديد أمن البلاد68 ، وأتبعتها باعتقال 94 شخصًا أغلبهم من الإصلاح لمطالبتهم بالإفراج عنهم واتهمتهم بالسعي لقلب نظام الحكم69 . لكن الصعود العام للإسلام السياسي في العالم العربي بعد الثورة، متمثلًا في حصولهم على أغلبية برلمانية في بعض الدول، بل ووصولهم لرأس الدولة في مصر كان بمثابة تهديد إقليمي للإمارات، والتي حاولت بطرق شتى التخلص منه (منها دعم حركات الاحتجاج، وانقلاب 2013، وتجريم الإخوان وترويج تجريمها عالميًا، وأيضًا دعم الصوفية).
نجاح الإمارات في إعادة توصيف مطالب الإصلاح (بمعناه اللغوي وليس الجمعية) النابعة من روح التغيير التي صحبت الثورات العربية، واختزالها بأنها مطالب الإسلام السياسي فقط وليس مطالب شعبية، أكسبها قوة أكبر في المناورة للقضاء عليهما (إصلاح الثورة، وإصلاح الإخوان). في مصر، لعل الإخوان كان المنافس السياسي الوحيد للسلطة في عهد مبارك، أما في 2011 فقد شكلت ثورة 25 يناير أكبر تهديد لنظام مبارك وفلوله، إذ فقد رأس السلطة بقاؤه السياسي، وكانت كل فلوله تحت تهديد حقيقي من الثورة، خاصة مع إجراء انتخابات للمؤسسات التشريعية والتنفيذية للدولة. ولكون إخوان مصر أكثر القوى الثورية تنظيمًا وخبرةً سياسية، كانت الأقدر نظريًّا على تشكيل تهديد للنظام القديم (بفوزهم في كل الاستحقاقات الانتخابية كالبرلمان والدستور ورئاسة الجمهورية)، وقد استطاع المضادين للثورة (كالفلول والإمارات) تحين الفرص واستغلال أخطاء القوى الثورية ومحاربة الثورة تحت اسم محاربة الإخوان واستطاعوا تجييش القوى الثورية ضدهم ليتم الأمر بانقلاب 3 يوليو 2013 لصد تهديد الثورة والإسلام السياسي معًا. وفي حين لم تشكل القوى الثورية الأخرى تهديدًا حقيقيًّا لنظام الإنقلاب، ظلّ الإسلام السياسي يهدد شرعية نظام الانقلاب (بالمظاهرات، والأنشطة الحقوقية، والسياسية، والإعلامية، وأهما الدينية) ما استدعاها لمحاولة التخلص من هذا التهديد بكل الطرق (منها دعم الصوفية).

الإمارات ودعم الصوفية

 لماذا الصوفية؟

في حين تعرفنا عن أن الإمارات كفاعل سياسي مهدد من منافس سياسي بغطاء ديني متمثلًا في الإسلام السياسي، بقي علينا أن نعرف لماذا اختارت الإمارات الصوفية دونًا عن باقي الخطابات الإسلامية ولماذا قبلت الصوفية القيام بهذا الدور. وسنجيب على هذا التساؤل بنقاش عدة نقاط: أن الإمارات لم تقتصر أصلًا على الصوفية؛ وأن الصوفية أصلًا ليست وظيفية ولا تابعة للسلطة بالضرورة؛ ولعل الظروف والسياق هي التي جعلت من مصلحة كلًا من الإمارات والصوفية التعاون: فالصوفية كانت الحل الذي روجه الغرب لمحاربة الإرهاب وبالتالي تبعته الإمارات، والصوفية كانت في حاجة لدعم مؤسسي يجابه الدعم الذي تتلقاه الوهابية السعودية لمحاربتهم.
يجب أن نكرر ما سبق وقررناه أن الإمارات (كفاعل سياسي في النموذج الذي نستخدمه) تتعامل مع الدين بشكل برجماتي وتحاول حوسلته لخدمة بقائها السياسي. هذه المقدمة تجعلنا نتفهم دعم الإمارات لخطابات دينية أخرى غير الصوفية لمجابهة تهديد الإسلام السياسي، وكل هذا بضابط حفظ بقائها السياسي. فالإمارات لها علاقات دعم بالسلفيين (ألد خصوم الصوفيين)؛ فنراها سمحت للخطاب السلفي في الإمارات (متمثلًا في جمعية “دار البر”) للتواجد فيها ولكن بتحويلها للسلفية الجامية التي تحرم معارضة الحكومة70 (كما فعلت حكومة الإنقلاب مع سلفيي حزب النور)، ونراها أيضًا الآن في اليمن تدعم ميليشيات سلفية71 . والإمارات أيضًا تدعم تيار الإسلام الحداثي (متمثلًا في مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”) الذي يؤمن بتاريخانية النص القرآني وعدم قدسيته أصلًا.72 بل ترى في خطاب الإمارات مع الغرب هدفهم في أن تكون الدول العربية دولًا علمانية (عكس ما قد يرضاه السلفيون). 73 هذا بالإضافة إلى دعمها لدعاة إسلاميين آخرين كوسيم يوسف74 . والرابط بينهم جميعًا مهاجمة الإسلام السياسي، وعدم معارضة الحكام إن لم يكونوا يروجوا لهم أصلًا. ولكن نجد أن الإمارات تدعم الصوفية لتكون هي الخطاب الديني الرسمي في العالم السني، ونحسب أن ذلك لأنها أقرب إلى معتقدات الشعوب (من الإسلام الحداثي والعلمانية)، وأكثر أمانًا للإمارات (من السلفية)، ولأنها تقطع الطريق على الخطابات التي تستخدم نفس النصوص الدينية للمنافسة السياسية (كالإسلام السياسي).
أمّا فيما يتعلق بالصوفية كطريقة تزكوية روحية، فلا علاقة سببية حتمية بينها وبين موالاة الحكام. إن الخطاب الذي روّج مقولة أن الصوفيين طبيعةً مسالمين ومهادنين للسلطة وبدون أهداف سياسية (و بالتالي هم “المسلمون الجيدون” مقابل الإسلامويون “المسلمون السيئون”) هو خطاب الحرب على الإرهاب الذي تبع أحداث الحادي عشر من سبتمر، والذي روجته بعض الأنظمة التي تستفيد من الصوفية كخطاب ديني مهادن للسلطة. في كتابه “دعم الصوفية: كيف تروج الحكومات الإسلام الصوفي في سياساتهم الداخلية والدولية” الذي يدرس فيه ثمانِ دول تدعم الصوفية، يقرر “مواديني” أن هذا الخطاب يجانبه الصواب، وأن الحركات الصوفية أكثر تعقيدًا من هذا الاختزال، وأن صلاتها بالحكام تتراوح بين التبعية إلى مقاومة الدولة75 (و يضرب مثال في مقال آخر له بجماعة صوفية شاركت الثوار ضد بشار الأسد76 ).
و لعله السياق، كما أسلفنا، هيأت ظروفه التعاون الصوفي الإماراتي. فبالنظر إلى السبب الذي قد يكون قابعًا خلف موافقة الجفري، فإننا نجد أنه لعلّ الجفري (و هو الذي أُخرج من مصر من قبل السلطات فيها في 2001 بعد علو صيته) وطريقته قد شعروا بالحيف أو الظلم- عندما عادوا إلى مناطقهم في اليمن بعد الحكم الشيوعي لها في التسعينات- أمام حملات الوهابيين ضدهم بكل ما عندهم من دعم مؤسسي77 ، وظنّ أن دعم دولة كالإمارات قد يعيد لصوفيتهم اعتبارها. أما باقي رموز الصوفية الإماراتية فقد كانوا أيضًا على علاقة طيبة مع السلطة من ذي قبل، لكنه من المفيد النظر إلى الأسباب المباشرة للانخراط في الصوفية الإماراتية. وبنظرنا لانخراط رموز الصوفية الإماراتية المصريين فيها، نجد أن تطورها الحقيقي كان فيما بعد الثورة، وخاصة مع الإنقلاب؛ وقد نُرجِع ذلك إلى مصالحهم (سواء كان مصالح نفعية مادية أو دينية) المهدَّدَة مع زوال نظام مبارك (إذ تجد الطيب، وعلي جمعة يحرمون الثورة ضد مبارك)، وإلى قلقهم إزاء الصعود السياسي للإخوان، بل وللسلفيين، كخطابات إسلامية منافسة، بالإضافة إلى الأغراء في ترويجهم كمرجعية أهل السنة والجماعة.
أمّا بالحديث عن السياق الذي ساق الإمارات لاختيار الصوفية، فمن الظاهر لنا أن سياق الحادي عشر من سبتمر والحرب على الإرهاب كان لهم شديد الأثر. ويمكن تتبع هذا في تقارير واحدة من المؤسسات البحثية الأمريكية المؤثرة (راند)، وفيما يمكن أن يكون من أثرها في الخطاب الصوفي الإماراتي. فقد أصدرت راند ثلاثة تقارير في 2003، 2004، و2008 تحاول نمذجة الخطابات الإسلامية الموجودة وتصنيفها فيما بين الليبرالي والراديكالي، وأكدت أن الصوفية “[حليف] طبيعي للغرب” لما تتعرض له من هجمات وهابية سلفية (المصنفين كراديكاليين وكمنبع للتطرف)78. اقترح تقرير 2004 إنشاء شبكات للمسلمين “المعتدلين” أو “الوسطيين” “إذ أن ذلك يساعد على نشر رسالتهم ويزودهم بشيء من الحماية”، ولأن هؤلاء الوسطيين لا يمتلكون الموارد الكافية لهذا، فيقترح التقرير دعمًا خارجيًا79 ؛ ونجد أن عام 2005 قد شهد إنشاء طابة، والتي تعد بمثابة شبكة لعلماء الصوفية “المعتدلين”. وفي حين أن نفس التقرير قد لفت النظر إلى عدم مركزية مرجعية أهل السنة والجماعة كمصدر من مصادر الإرهاب باستخدامه من قبل “المتطرفين”، فإننا نجد أن أحد أسس خطاب الصوفية الإماراتية يقوم على توحيد المرجعية الإسلامية (خلف الأزهر الصوفي). إضافةً إلى ذلك، فإن كثيرًا من الجهد الذي بذلته طابة في مسألة حوار الأديان في مبادرة “لتعارفوا” و”كلمة سواء”، قد يكون متأثرًا بتوصيف “راند” للمسلمين المعتدلين بانفتاحهم على حوار الأديان80 . وأخيرًا، فإن توصيف الجفري لمهمته، في مقابلة صحفية عام 2009، بأن “[المتطرفين] أو من يسمون بالإرهابيين [هي معركته] الحقيقية”81 ، لا يدع مجالًا للشك في تأثر الصوفية الإماراتية من المناخ الدولي في الحرب على الإرهاب. لكنه ومع هذا يجب التقرير بأن تأثر الصوفية الإماراتية بهذا السياق، لا يعني تبعيتهم للغرب (حيث نجد نقدًا متكررًا للغرب في خطاب رموزهم)، ولكن ولاءهم (كما سنبين لاحقًا) للأنظمة في المنطقة.

أشكال دعم الإمارات الصوفية في مصر

في هذا القسم، سنبدأ بأشكال دعم الإمارات للصوفية الإماراتية، ثم نتلوها بدعمها للصوفية الطرقية المصرية.
دعم الإمارات (وبالتالي نظام الانقلاب في مصر) للصوفية الإماراتية يتمثل أساسًا في منحها هيمنة دينية بجعلها الدين الرسمي في مصر، بل والمرجعية للعالم السني، وذلك بطرق رسمية وأخرى غير رسمية. لكن وقبل أن نبدأ في تناولهما (الطرق الرسمية والغير رسمية) يجب أن نذكر بما أسلفنا ذكره في أن الفاعل السياسي على استعداد لدعم أحد الخطابات الدينية (ويصل دعمه أقصاه في تمكينه من هيمنة دينية) إذا ما تأكد أن هذا الخطاب يعضد بقاءه السياسي. بالإضافة إلى أننا سنجد هنا الحديث عن دعم الصوفية الإماراتية مقرونًا بدعم الأزهر، وذلك لما أسلفنا ذكره من ارتباط عضوي بين قيادة الأزهر والصوفية الإماراتية (ونقول أن دعم الأزهر دعم للصوفية الإماراتية لأنه يحقق أسس خطابه العلمائية السياسية التي ذكرناها من قبل، على عكس الخطاب الطرقي التقليدي التزكوي العام.)
بدئًا من الطرق الرسمية لدعم الصوفية الإماراتية لتشكل هيمنة دينية، قد نقسم هذا الدعم الرسمي إلى نوعين: دعم قانوني، دعم مؤسسات وأنشطتها. أمّا الدعم القانوني فيتمثل في محاولة احتكار الخطاب الرسمي (الأزهري الصوفي) للخطاب الديني في مصر بالقانون. يُرى هذا في محاولات وزارة الأوقاف فرض خطبة موحدة على جميع الأئمة في القطر المصري وبالتالي قطع الطريق على أي إمكانية لاستخدام المنابر في غير ما تراه وزارة الأوقاف82 (و هو ما رفضته مشيخة الأزهر في ما يُرى معركة نفوذ، وبالتالي لم يتم83 )؛ ويُرى أيضًا في تقييد عدد المتصدرين للفتوى في وسائل الإعلام على خمسين شيخ اختارتهم مشيخة الأزهر ودار الإفتاء لحين إصدار قانون تنظيم الإفتاء84؛ أو في فرض حصول المشايخ على تصريح كشرط لظهورهم على الإعلام، كما أقرت لجنة الشئون الدينية في البرلمان المصري (و المعروف تمثيله لتوجهات السلطة أكثر من كونه تمثيلًا للشعب) 85؛ وأيضًا يُرى هذا في دعم وزارة الأوقاف (ذات الطبيعة التنفيذية وبالتالي الأقرب للسلطة) في بعض مواجهاتها مع مشيخة الأزهر (التي رفضت إصدار فتوى طلبها منهم السيسي) في معركة النفوذ الدائرة بينهم في الفترة الماضية، ويتمثل هذا في إقرار البرلمان سلطة الفتوى لأئمة وشيوخ “الأوقاف” على عكس ما أرادت مشيخة الأزهر في أن تقتصر سلطة الفتوى على الأزهر ودار الإفتاء فقط86 ؛ وأخيرًا فإن عملية الاحتكار والهيمنة تلك تتم بشكل غير مباشر بتجريم الخطابات الإسلامية الأخرى واعتقال والتضييق على أصحاب الخطاب الديني المغردين خارج السرب (و لنا في إيقاف الشيخ محمد جبريل بسبب دعاء لم يرق للسلطة في رمضان87 ، واعتقال أيمن عبد الرحيم [ذو الخطاب الديني غير المهادن للسلطة، غير المنتمي لأي تنظيم، ذو الشعبية وسط الشباب المثقفين] خير مثال)، أو حتى التضييق على أصحاب الخطاب الديني المهادن من غير الصوفية (و لنا في منع دعاة سلفيين كمحمد حسان، وحسين يعقوب، حتى يونس مخيون [رئيس حزب النور] من الخطابة في 201588 ، وسعيد رسلان في 201889 خير مثال) ؛ هذا بالإضافة لإقالة مئات الأئمة، وتغيير العديد من مجالس إدارة الجوامع الكبيرة، والتخلص من الكتب والشرائط ذات الفكر “المتطرف” من الجوامع والمدارس، وفصل العديد من المدرسين ذوي الخلفية الإخوانية90 .
أمّا الشكل الآخر من الدعم الرسمي والمتمثل في دعم مؤسسات هذا الخطاب وأنشطتها فظاهرٌ في المؤسسات التي ذكرناها آنفًا، وهذه المؤسسات فيما بعد 2013 تهدف إلى هيمنة هذا الخطاب في العالم السني أكثر من كونها في مصر وفقط. أما قبل 2013، فنجد الدعم السخي الذي قدمته الإمارات لرموز الصوفية الإماراتية عن إنشائها لمؤسسات ودعمها لفاعليات ضخمة تضم مئات المشاهير ويستفيد منها هذه الرموز في نشر دعوتهم الصوفية، وتلميعهم إعلاميًّا، وتكوين شبكات واسعة مع علماء، أكاديميين، إعلاميين، فنانين، ورجال سياسة وحكّام. هذا ظاهر في دار الفقيه التي تنشر كتب رموز هذا الخطاب، كما أسلفنا.
وهذا ظاهر بشكل أكبر في حالة “طابة” التي من خلالها تشكل للصوفية العرب علاقات قوية مع متصوفة الغرب وأكاديمييهم الذين يعمل بعضهم كباحثين في طابة، وعلاقات قوية مع رجال الدين المسيحي في البلاد العربية والغرب من خلال مبادرات “لتعارفوا” و”كلمة سواء”، ومع الفنانين والإعلاميين من خلال المسابقة الفنية في حب الرسول “جوائز المحبة”، وعلى مدار السنين انعكس كل هذا بشهرة كبيرة لرموز هذا الخطاب وتلميع إعلامي لهم. ولعل أفضل شاهد على هذه العلاقات فيما قبل 2013 هي زيارة الجفري لمصر في عام 2009 لأول مرة بعد منعه من دخولها في 2001  وفي 2010 إذ كانت كزيارة ديبلوماسي أو شخص ذو حيثية كبيرة وليس فقط كداعية؛ فلقد زار الجفري شيخ الأزهر، ورئيس جامعة الأزهر، والمفتي، والبابا شنودة (الذي لقيه أول مرة في مجلس محمد بن زايد)، وزار سفارة الإمارات واليمن وصوحب بالسفير اليمني أثناء لقاءاته91 .
وأحسب أن مؤتمر “التصوف منهج أصيل للإصلاح” في 2011، والشروع في تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء الصوفية في 2012، كانت بدايات دعم مؤسسات جديدة للعب دور علمائي صوفي إماراتي في مصر الثورة، ولكن الانقلاب جاء ليؤسس لمرحلة جديدة من المؤسسات.
وإذا ما نظرنا إلى الدعم للمؤسسات فيما بعد الانقلاب، فثلاث مؤسسات كبرى كمنتدى تعزيز السلم، ومجلس حكماء المسلمين، والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وباقي المؤسسات بمؤتمراتهم الضخمة، ومئات الحضور، ومئات الموظفين العاملين، ومئات المؤلفين والباحثين، ومواقعهم الإلكترونية وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها الكثير مما يستلزم دعمًا ضخمًا.
وكما أسلفنا أن الهدف من المؤسسات فيما بعد الانقلاب هو فرض هيمنة الخطاب الأزهري الصوفي كمرجعية للسنة عن طريق ترويج الصوفية والأزهر، والتضييق على الخطابات الدينية الأخرى المنافسة، وهذا ظاهر فيما يلي: مؤتمر الشيشان الثاني في 2016 تحت عنوان “من هم أهل السنة والجماعة”، الذي كانت طابة ومؤسسات شيشانية حكومية وراءه، أثار سخط الكثيرين (خاصة في السعودية) لإخراجه السلفيين من تعريف أهل السنة والجماعة، في حين نصّ على الصوفية بوضوح92 (حتى أن شيخ الأزهر الذي افتتح المؤتمر تبرأ من البيان الختامي موضحًا أن وفد الأزهر لم يطلع على البيان الختامي وغادر قبل إلقائه93 )؛   والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في حد ذاتها محاولة للتحكم في الفتوى بمركزية بجمع مؤسسات الإفتاء حول العالم تحت دار الإفتاء المصرية، بالإضافة إلى مؤتمريه، ومبادراته التي تضم مركز دراسات التشدد ومشروعاته القائمة تضم قوافل إفتائية عالمية، وموسوعة لتفكيك أفكار “التشدد”، وبرامج لتدريب المفتين94 .
وتدعم الإمارات الأزهر بشكل متواصل متمثل في إنشاء مجموعة من الكليات في الأزهر بما فيه مركز الشيخ زايد لتعليم العربية، وإنشاء مكتبة على المعايير العالمية للأزهر بعدما “رقمنة” المخطوطات الموجودة فيه95 ، ثم البروتوكول الموقع بين الأزهر وهيئة الشئون الدينية الإماراتية التي بها تم الإعلان عن إنشاء أول فرع لجماعة الأزهر خارج مصر في الإمارات96 ؛ وتتكفل الإمارات برحلات دورية لمشايخ أزهريين للأقليات المسلمة حول العالم تحت مجلس حكماء المسلمين97 ؛ ويدخل تشكيل مرصد الفتاوي التكفيرية والآراء المتشددة من دار الإفتاء، ومبادرة سند من طابة، في هذه الجهود لمحاربة الخطابات الدينية المنافسة؛ والأمثلة لا تحصى في هذا المقام.
أمّا الطرق غير الرسمية لدعم الصوفية الإماراتية فهي كل أشكال الدعم لأشخاص الصوفية الإماراتية أكثر من كونها دعمًا للمؤسسات، ويُرى هذا في المناصب، والجوائز، والظهور الإعلامي، والتقدير من الحكام. أمّا الدعم من خلال المناصب فيُرى في حالة أسامة الأزهري الذي اختاره السيسي ليكون نائبه في 2014، وليكون وكيل لجنة الشئون الدينية في البرلمان في 2016، وليكون الخطيب المعتاد في المناسبات كصلوات الأعياد في حضور شيخ الأزهر، والمفتي، ووزير الأوقاف؛ ويثير اعتماد الرئيس عليه في مشروع “التجديد الديني” بدلًا من الأزهر فكرة تمهيده ليكون شيخ الأزهر القادم (مع حملات الهجوم ضد الطيب للاستقالة)98 .
وضع الجفري، الطيب، وشوقي علام، وبن بية على رؤوس مؤسسات طابة، مجلس حكماء المسلمين، الأمانة العامة لدور الإفتاء، ومنتدى تعزيز السلم، بالترتيب، هو شكل آخر من أشكال الدعم بالمناصب. أمّا الجوائز، فإننا نجد البوطي يتسلم جائزة من الإمارات عن أحد كتبه في 200699، كذا تكرم الإمارات نوح القضاة في 2007100 . وشيخ الأزهر “الطيب” قد تم تكريمه مرتين: مرة قبل الإنقلاب بثلاثة شهور لاختياره شخصية العام الثقافية من قِبل جائزة الشيخ زايد للكتاب101 ، ومرة بعد الإنقلاب مباشرة لاختياره شخصية العام الإسلامية من قِبل جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم (لكنه استلمها بعدها بعام بسبب أحوال البلاد وقت الانقلاب)102 .
أما في الإعلام التليفزيوني وعلى مواقع التواصل، فالاعتناء بتكثيف ظهور رموز الصوفية الإماراتية جليّ. فالجفري ذو ظهور إعلاميٍّ كثيف، وظهوره على الإعلام المصري بعد عودته إليها في 2009 لم ينقطع حتى الآن، بين برامج رمضانية سنوية ولقاءات تليفزيونية، حتى صار عضوًا في فريق برنامج يُعرض على التليفزيون المصري الرسمي103 . والأزهري هو الآخر بدأ يظهر في لقاءات تليفيزيونية منذ 2012 (في قناة أبو ظبي مثلًا104 )، وتكثف هذا الظهور فيما بعد الانقلاب ببرامج كاملة تليفيزيونية وإذاعية، إلى جانب لقاءات في الإعلام، خاصةً تلك التي مع الجفري. الطيب طبعًا ظهوره الإعلامي سابق للدعم الإماراتي لاعتبارات مناصبه، لكنه أيضًا ظهر في برنامج “الإمام الطيب” بمواسمه الثلاثة 2016-2018 والذي تم انتاجه من شركة إماراتية مؤسسة عام 2016105 . علي جمعة ذو ظهور كثيف على فضائيات مختلفة رسمية وخاصة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وشوقي علّام أيضًا كان له برنامج تليفزيوني، وآخر إذاعي، ولقاءات متعددة. أمّا آخر أشكال الدعم التي نتناولها وهي تقدير الحكام فيظهر في تقبيل محمد بن زايد رأس شيخ الأزهر106، وترحيب السيسي بالجفري في أحد خطاباته وجعله الواعظ المستمر لقوات الجيش في الندوات التثقيفية (ما يكسب الجفري شرعية وشهرة أكبر، نراها تنفعه بشكل كبير في نشر طريقته الصوفية مع أستاذه بن حفيظ في حضرته “روضة النعيم” وجامع فاضل مقر علي جمعة وتلاميذه وطريقته)
وإذا انتقلنا إلى الدعم المُقدّم إلى الصوفية الطرقية، نجد ثلاثة أمور أساسية (بجانب التمويل): المناصب، الاهتمام بحضور ممثلين عنهم في الفاعليات الدينية، والاهتمام الإعلامي بشئونهم. الطرق الصوفية طبعًا تتلقى تمويلًا من الدولة كأحد مؤسسات الدولة والتي قد تصل إلى مليون جنيه كل ثلاثة أشهر.107 
فيما يتعلق بالمناصب، فإننا نرى أن شيخ مشايخ الطرق الصوفية (القصبي) يدخل البلرلمان، ويفوز برئاسة لجنة “التضامن الاجتماعي” بالتزكية لثلاث مرات108 ، ثم رئيسًا لائتلاف “دعم مصر” (الداعم للسيسي وذي الأغلبية في البرلمان)109 ؛ ونقيب الأشراف “السيد الشريف” هو وكيل أول مجلس النواب ويمثل البرلمان المصري في المحافل الدولية. لو نظرنا إلى أمثلة لاستضافة ممثلي الطرق الصوفية في الفاعليات الدينية الصوفية الإماراتية نجد أن القصبي والسيد الشريف تواجدا في مؤتمر “التصوف… منهج أصيل للإصلاح” 110، ومؤتمر “من هم أهل السنة”111 ، والمؤتمر الأول لأمانة دور الإفتاء112 تواجد القصبي في مؤتمر “التصوف أمان للإنسان واستقرار للأوطان”113 ، وكلاهما دائمًا في الصفوف الأولى في الاحتفالات الصوفية (كالهجرة مثلًا) والتي تنقلها القنوات المصرية. أخيرًا، فإن هناك اهتمام متزايد بالظاهرة الصوفية على الفضائيات والصحف، فيتم استضافة رموزهم، والحديث عن أخبارهم، والاستماع لتصريحاتهم.
هل الصوفية في مصر مستقلة؟
سنناقش هنا مدى استقلالية الصوفية الإماراتية والطرقية من سيطرة الدولة (الإماراتية أو المصرية)، مستخدمين معايير “توفت” الستة: (1) وجود دين رسمي للدولة يعوق الاستقلالية، (2) حماية الحرية الدينية يعضد الاستقلالية، (3) تعيين الدولة للقيادة الدينية يعوق الاستقلالية، (4) وجود رأي رسمي للقيادة الدينية في سياسات الدولة توريط لها ويعوق استقلاليتها، (5) تمويل الدولة للمؤسسات الدينية يعيق استقلاليتها، (6) وأخيرًا، كون المؤسسات الدينية عابرة للحدود يعطيها استقلالية أكبر.
أولًا، حيث أنه يوجد دينٌ رسميٌ في مصر متمثل في الأزهر بطبعته الصوفية (وهو ما تحاول الصوفية الإماراتية استغلال سلطته)، فإن ذلك يعني عرقلة استقلالية الدين (خاصةً الرسمي)، ولأن الطرق الصوفية هي مؤسسة من مؤسسات الدولة وتابعة للخطاب الرسمي، فاستقلاليتها هي الأخرى معاقة بهذا الأمر. ثانيًا، ولأنه لا توجد حريّة دينية في مصر كما هو ظاهر فيما بيّنا من استهداف الخطابات الإسلاموية والسلفية وكل ما هو عكس هوى الخطاب الرسمي، فإن الخطاب الديني في مصر غير مستقل، بل ومرتهن بهوى السلطة. ثالثًا، كل المتحكمين في المشهد الديني الآن (الطيب، جمعة، القصبي، الشريف) معيّن من مبارك (عدا شوقي علام عيّن من قبل مرسي)، وبالتالي فإن ولاءاتهم السياسية لنظام مبارك (الذي تدعمه الإمارات) لها دور في تقويض استقلاليتهم. (لكنه يجدر القول أن تحصين شيخ الأزهر من العزل بالدستور أكسبه استقلالًا كبيرًا في تعامله مع السيسي ووزارة أوقافه في العديد من القضايا التي اختلفوا فيها).
استقلالية الطرق الصوفية أيضًا مقوضة إذ المجلس الأعلى للطرق الصوفية (الذي يشمل أعضاء من خارج البيت الصوفي كوزارة الداخلية) هو الذي يوافق على تعيين وتأديب وعزل مشايخ الطرق الصوفية. (لكنه يجب القول أنه في حين أن مركزية السيطرة عل الطرق الصوفية تقوض استقلاليتها، إلّا أن ما فيها من استقلالية [لا تهدد الدولة] يُستمد من أعرافها وتقاليدها التي ما تزال تحظى باحترام [و إن كان مبارك خالفها ولكنه لم يسلم من المعارضة]، ومن القواعد الصوفية الواسعة التي ليس لها علاقة بالتنظيم الإداري، بل هي علاقة روحية بين الشيخ والمريد).
رابعًا، بالطبع يوجد للأزهر ودار الإفتاء رأي في بعض سياسات الدولة، وهذا يضعف استقلاليتها؛ وهذا واضح في حالات أحكام الإعدام المسيّسة التي يصدق عليها المفتي، ونجده أيضًا في المشادات بين الطيب والسيسي إذ يريد السيسي أن يجبر شيخ الأزهر بكل الأشكال أن يرضح ويقبل بسياسة السيسي (كمثال قضية الطلاق الشفوي الذي لا يريد شيخ الأزهر أن يغير رأي الشرع فيها لهوى السيسي). خامسًا، فالأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للطرق الصوفية معتمدة على الدولة في مواردها المالية بنص القانون، ما يجعل خطابهم أيضًا شديد التابعية؛ والتابعية المادية للإمارات أيضًا منطبقة على كل مؤسسات الصوفية الإماراتية كطابة، و”تعزيز السلم”، و”حكماء المسلمين”، وأمانة دور الإفتاء وغيرها. أمّا سادسًا وأخيرًا، فإن الصوفية الإماراتية لها شبكة عابرة للحدود، لكن هذا لا يكسبها استقلالية كما توقع “توفت”، إذ تلك الشبكة الصوفية العابرة للحدود هي صنيعة دول متحالفة ترى الصوفية حليفًا. (ولعل تعديل النقطة السادسة، كما أسلفنا، يأتي بقول أنه إن كانت عالمية المؤسسة الدينية سابقة على حوسلة الدولة لها، فإن استقلاليتها تكبر). أمّا عالمية الصوفية الطرقية فقد تكسبها استقلالية، لكن الافتقار لروابط تنظيمية عالية بين الطرق وفروعها العالمية تقلل من إمكانية استقلال الصوفية الطرقية، خاصة وهي محكومة بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية. الخلاصة هي أن كلا الخطابين الصوفي الإماراتي (أو الرسمي الأزهري الصوفي)، والصوفي الطرقي لا يتمتعان بالاستقلالية.

الصوفية الوظيفية: كيف تدعم الصوفية السلطة؟

رأينا كيف تدعم الإمارات (وسلطة الإنقلاب) الصوفية، بَقي أن نرى كيف أنها توظّف هذا الدعم لتثبيت أركانها وتدعيم بقاءها. تقوم الصوفية بثلاث وظائف أساسية كفيلة بدعم بقاء السلطة: الشرعنة (بإكساب الإمارات وسلطة الإنقلاب شرعية سياسية دينية يقبلها الشعب المتدين)، الضبط الاجتماعي (باستخدام الدين لتجريم وتحريم ممارسات المخالفين للسلطة)، والاستقرار الاجتماعي (بالإبقاء على الوضع القائم عن طريق تثبيط روح التغيير السياسي [أو الثورة]).
وإذا بدأنا بوظيفة الشرعنة التي تخدم بها الصوفية السلطة، فإننا نجدها في شكلين: شرعنة لشخوص الحكام كمتدينين، وشرعنة لمواقف الحكام بأنها موافقة للشرع. لو بدأنا بشرعنة شخوص الحكام، فإننا نرى ذلك مثلًا في تكريم جوائز المحبة (فاعلية طابة والجفري) لعبد الله بن زايد كشخصية العام في 2006 لتأسيسه جائزة البردة114 ، ومحمد بن راشد آل مكتوم في 2008 لإنشائه متحف عن سيرة الرسول 115. نرى ذلك أيضًا في خلع ألقاب كـ”حبيب الله” على السيسي من أهل الصوفية الطرقية في مصر، والقول بأنه “مؤيد من الله ورسوله”116 ، بل وأنه “رسول” 117. يظهر هذا أيضًا في الدعاء للسيسي وأبناء زايد118 ، وللدعاء للسلطان معنىً رمزي للشرعية السياسية في تاريخ المسلمين. أمّا شرعنة المواقف فظاهر أكثر شيءٍ في شرعنة الإنقلاب.
يُرى هذا مع الطيب الذي وقف بجانب السيسي يوم إعلان الإنقلاب بناءً على القاعدة الشرعية القائلة “بأن ارتكاب أخف الضررين [و هو الإنقلاب] واجب شرعي”.119 أما علي جمعة فقد كان أكثر حميّةً في تأكيد شرعية الانقلاب، وقد أُحضِر ليحاضر لضباط الجيش حتى لا يزاول أحدهم شكًّا في شرعية ما يقوم به، فيقول لهم: “أنتم على الحق، أنتم على طريق الله”، وأنه “قد تواترت الرؤى على تأييدكم من قبل رسول الله وأوليائه”، فـ”الدين معك، والله معك، والرسول معك، والملائكة”؛ وما جرى في رابعة من مجزرة بدم بارد قد يُتَفَهّم  في إطار الشرعنة التي قدمها جمعة لقتالهم كـ”خوارج”.120 والجفري هو الآخر يتنقل بين ثكنات الجيش المصري وفي ندواته التثقيفية ليثبت الصف العسكري وراء قائده السيسي لمواجهة الفتن، بل إنه جعل من انتخاب السيسي شكلًا من أشكال الرد من أهالي ضحايا الجيش على قاتليهم.121 
وإذا تحدثنا عن وظيفة الضبط الاجتماعي نجدها تتم بتجريم وتحريم كل ما يهدد بقاء السلطة، سواء كان هذا بفتوى مباشرة؛ أو بتجريم الخطابات الدينية المعارضة للسلطة، متمثلًا في رفع الشرعية عن الخطابات الإخوانية (بالإضافة للسلفيين [بما فيهم الجهاديين] منافس الصوفية التقليدي) التي هي من أسس الخطاب الصوفي الإماراتي، كما بينّا، وهم يضعون كل الخطابات الدينية المعارضة (الجهادية، السلفية، الإخوانية) في سلة واحدة ما يسهّل ضربهم بخطأ الواحد فيهم. بدايةً بالفتوى المباشرة فهي ظاهرةٌ في طاعة ولي الأمر، وتحريم الخروج على الحاكم (إلا أن يُرى كفرًا بواحًا [و هذا لن يحدث في ظل حاكم يحوسل الدين ويستفيد منه])، كما يؤكد الجفري 122وجمعة 123 في المنتديات المختلفة. وأمّا تجريم المعارضين فظاهر في تسمية الخطابات الدينية المعارضة بـ”الخوارج” (الواجب قتالهم شرعًا)، والإرهابيين (الواجب محاربتهم قانونًا)، و”التكفيريين” (أعداء المجتمع)، وأنهم “على باطل”، كما نرى في خطابات رموز الصوفية124 .
ويظهر هذا أيضًا في برنامج “آمنت بالله” للجفري بمواسمه الثلاثة التي بدأت مع الثورة وانتهت بالانقلاب، وقد كانت دحض ممنهج للثلاث خطابات السابق ذكرها؛ خاصة في سنة مرسي، نجد أن الجفري ينتقد ديكتاتورية مرسي تحت مسمى طاعة ولي الأمر من جهة125 ، وينتقد الديموقراطية (التي أتت بمرسي) من جهة أخرى كآلية لانتخاب ديكتاتور126 . وهذا أيضًا ظاهر في البيان الذي أصدره علي جمعة والجفري وأسامة الأزهري أيام اعتصام رابعة يصفون دفاع المعتصمين عن شرعية مرسي “حرص [مذموم] على الإمارة”، وأنهم دعاة فتنة وسفك للدماء.127 
ويتم هذا أيضًا بالتشنيع على العلماء المعارضين وحججهم بأن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وذلك بإظهاره أنه مداهنة للجماهير “التي لا تقل قبحًا ولا ضررًا ولا إثمًا من مداهنة الحاكم”128 ، وتصنيف “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” ذو التوجهات الإخوانية كداعم للقتل129 . وجهود تفكيك تلك الخطابات المعارضة، وبيان خطأها، والرد عليها باسم “الإسلام الوسطي الصحيح” جهود هائلة تشمل آلاف العاملين، ومئات الكتاب والباحثين، وعشرات المؤسسات والمبادرات والبرامج، ومن أمثلتها برنامج المتشددون لعلي جمعة على التليفزيون المصري والتي يشنع فيها على الإخوان وحسن البنا وسيد قطب، كما فعل الجفري والأزهري على تليفزيونات أخرى، ومبادرة سند، ومرصد الفتاوى التكفيرية، وكتاب “الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين” للأزهري.
وإذا ما نظرنا إلى وظيفة الاستقرار الاجتماعي، فنجدها حاضرة في خطاب الصوفية الإماراتية؛ ويتم هذا بترويج قبول الأمر الواقع بذريعة الاستقرار، وبتثبيط روح التغيير السياسي (الثوري)، وتوجيه المعركة التي يجب أن يخوضها العلماء بعيدًا عن السياسة. الاستقرار في خطاب الصوفية الإماراتية رديف “للأمن والأمان”، و”السِّلم”، و”للدولة” و”الجيش”، وهما (أي الدولة والجيش) في خطاب الصوفية الإماراتية وكأنهم ليسوا جهة في صراع، بل بُنى مستقلة محايدة ضرورية للبقاء الاجتماعي.
هذا ظاهر في أقوال الجفري مثلًا في أن الأمن والأمان وتماسك الدولة من حقوق الإنسان أيضًا، حينما سؤل عن تأييده الأنظمة القمعية في المنطقة؛ ويرى أنه من العبث الحديث عن ترف حرية التعبير (“عندما تصبح في أيدي أناس يوظفونها في هدم دول”) في حين الشعوب تبحث عن لقمة، وكأنهما متناقضان. والهدف من منتدى تعزيز السلم ومجلس حكماء المسلمين، كما ينصون هم، “تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة… [و] المساهمة في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدَّة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمَّة الإسلاميَّة في الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتَّشرذم . “130 
وإذا انتقلنا إلى عملية تثبيط التغيير الثوري، فإنه يتم بالترويج للمنهج الإصلاحي على حساب المنهج الثوري كقول الجفري أن “الإصلاح لا يتم بالمظاهرات”131 ، وأن مواجهة الظلم تتم بعملية إصلاح قلبي روحاني132 . أمّا أخيرًا، ففرض الأمر الواقع (السياسي) أيضًا تم بتحويل معركة العلماء من النضال السياسي إلى قضايا غير سياسية كالإلحاد (وسواء إن كان هذا مقصودًا أم لا، فهو في النهاية يصب في هذه الوظيفة). ولوحظ هذا في كلام الجفري في 2012 حينما تكهن أن الإسلاميون (يقصد الإسلام السياسي) سيحاولون وسيفشلون وسيترتب على هذا معركة أهم من السياسة وأهم من دولة الخلافة، ألا وهي معركة الإيمان والشك. 133 وبعد الانقلاب توجه كثير من جهد طابة، الجفري، والأزهري لمواجهة الإلحاد في برامج تليفزيونية (كلحظة سكون للجفري)، ولقاءات تليفزيونية (كالمناظرة مع إسلام البحيري)، وكمبادرة “سؤال” التي كان هدفها مساعدة ذوو الأسئلة الوجودية للوصول لله بكلام معمق.

خاتمة

خلصنا في هذا البحث إلى توصيف العلاقة بين الإمارات وسلطة الانقلاب وبين الصوفية في مصر. فبينّا أن تعامل الإمارات مع الخطابات الدينية قائم بما يحفظ بقاءها السياسي، وتعظيم منافعها وتقليل خسائرها. وبينّا أن دعم الإمارات للصوفية ليس حبًّا في الصوفية ولا لأن الصوفية كمسلك روحي لا يمكن أن يشكل تهديدًا سياسيًّا، بل إن السياق حينها قد جعل من مصلحة الصوفية قبول دعم الإمارات لمجابهة هجمات الوهابيين ذوو الدعم المؤسسي الهائل، وجعل من الصوفية الخطاب الإسلامي “المعتدل” المستحق للدعم ضد التيارات المتشددة، كما أملت توجهات سياسات الحرب على الإرهاب فيما بعد الحادي عشر من سبتمبر.
أوضحنا أن مصر فيها خطابان صوفيان: صوفية إماراتية وصوفية طرقية، وكلاهما متصل بالأزهر وقيادته اتصالا عضويًّا؛ ورغم أن كلاهما مساند للسلطة، إلّا أن تعويل الأنظمة على الصوفية الإماراتية أكبر، ويصل الدعم الرسمي لهم ليُمكّنوا من تشكيل الخطاب الديني الإسلامي تحت سلطة نسخة صوفية من الأزهر، بل وليشكلوا الخطاب الرسمي في العالم السني. لكن أشكال الدعم الرسمي للصوفية الإماراتية تشمل أيضًا دعمًا مؤسساتيًّا ضخمًا، هذا غير الدعم غير الرسمي المقدم من الإمارات وسلطة الإنقلاب متمثلًا في المناصب، الجوائز، والتلميع الإعلامي، والتقدير من الحكام. وكذا فإن الدعم المقدم للصوفية الطرقية شمل دعمهم بالمناصب، وإشراكهم في فاعليات كبرى، بالإضافة إلى تغطية إعلامية واسعة لقضايا البيت الصوفي ورموزه. وبهذا الدعم فإننا انتهينا أن الخطاب الصوفي في مصر تعوزه الاستقلالية لحد كبير.
ونهايةّ، وضّحنا كيف أن الصوفية في مصر بشقيها يُدَعِّمون بقاء السلطة بقيامهم بوظائف لازمة لهذا البقاء: كشرعنة تلك الأنظمة (سواءً شخوصها أو مواقفها)، وكالضبط الاجتماعي (سواءً بفتاوى مباشرة توجب طاعة ولي الأمر وتحرّم الخروج عنه، أو بتجريم الخطابات الإسلامية المعارضة للحكام)، وكالاستقرار الاجتماعي أخيرًا (و هو إمّا بجعل الأمن والأمان ذريعة لقبول الأمر الواقع، أو بتثبيط روح التغيير الثوري إلى الإصلاح القلبي الفردي، وتوجيه معركة الدين من الاستبداد السياسي إلى الإلحاد) (134 ).


الهامش

Jonathan Fox, an introduction to religion and politics: theory and practice, Rout ledge, 2013.

Jørgensen, M., & Phillips, L. Discourse analysis as theory and method, Sage Publications, 2002.

مصطفى فهمي، مصر 2011… و (11) مليون صوفي!!!، الموقع الفلسفي لدكتور/ مصطفى فهمي، الرابط، 9 يونيو 2011.

يظهر هذا في دعوة الحبيب الجفري، البوطي، بن بية، عمر بن حفيظ وغيرهم لإلقاء محاضرات والمشاركة في مسابقة البردة السنوية وجوائز المحبة. انظر: جولة دعوية في دولة الإمارات العربية المتحدة، موقع الحبيب علي الجفري، الرابط، 21 ديسمبر 2002؛
الحبيب علي الجفري في الإمارات، موقع الحبيب علي الجفري، الرابط، 3 مارس 2003؛
الحبيب علي الجفري في الإمارات العربية المتحدة، موقع الحبيب علي الجفري، الرابط، 26 أبريل 2004؛
مهرجان جوائز المحبة 1427 الموافق 2006، موقع الحبيب علي الجفري، الرابط، 26 أكتوبر 2006.

مصطفى فهمي، رؤساء مشيخة الطرق الصوفية في مصر في القرن العشرين، الموقع الفلسفي لدكتور/ مصطفى فهمي، الرابط، 18 يونيو 2011.

 يمكن ملاحظة هذا في شخصيات كالشيخ البوطي، عبد الله بن بية، أحمد الطيب، علي جمعة، وأسامة الأزهري وغيرهم.

 نستطيع القول بهذا لعدة أسباب: الأول أن الصوفية الطرقية هي في النهاية شبكة من العلماء ذوو العدد المحدود، مقارنةً بالطرق الصوفية، ما يسهل تواصلهم المباشر والمستمر مع السلطة؛ الثاني هو أن معظم رجال الصوفية الطرقية في مصر هم من جسد الدين الرسمي أساسًا والذي يحتاج السلطة للترقي لهذه المناصب، فهم في النهاية من المقربين للسلطة.

محمد البرمي، آخرها “الشاذلية العلية” لشيخها علي جمعة.. دليلك لإنشاء طريقة صوفية في مصر، المصري اليوم،https://www.almasryalyoum.com/news/details/1254907 ، 5 فبراير 2018.

أبو الفضل الإسناوي، خريطة الطرق الصوفية و تطوراتها في مصر، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية،http://acpss.ahram.org.eg/News/16365.aspx ، 3 أغسطس 2017.

10 مصطفى فهمي، أسباب و ظروف إنشاء مشيخة مشايخ الطرق الصوفية، الموقع الفلسفي لدكتور/ مصطفى فهمي،https://kenanaonline.com/users/Dr-mostafafahmy/posts/279686 ، 18 يونيو 2011.

11 أبو الفضل الإسناوي، خريطة الطرق الصوفية وتطوراتها في مصر.

12 نقابة الأشراف، الرابط.

13 الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، https://wfsufi.com/page/3 /.

14 لؤي علي، لأول مرة في تاريخ التصوف..37 عالمًا أزهريًا يدشنون “الاتحاد العالمي لعلماء الصوفية”.. و نشر المنهج السليم أهم أهداف الاتحاد، اليوم السابع، الرابط، 25 أكتوبر 2012

15 عبد المنعم منيب، عبد الناصر و الإسلام، طريق الإسلام، الرابط، 24 يوليو 2016.

16 المجلس الاستشاري الأعلى، مؤسسة طابة، https://www.tabahfoundation.org/about/senior-scholars-council-ar /.

17 رحلة الحوار الدنماركي-محطة كوبنهاجن، موقع الحبيب علي الجفري،، 24 فبراير، 2015؛ ملتقى الحوار الإسلامي الدنماركي يدعوا إلى تقارب البشرية و إزالة، و كالة أنباء الإمارات، http://wam.ae/ar/details/139524214857 ، 18 أبريل 2006.

18 مراجعة لوثيقة كلمة سواء، مؤسسة طابة.

19  انظر: مهرجان جوائز المحبة 1427 الموافق 2006، موقع الحبيب علي الجفري؛ مهرجان جوائز محبة الرسول يختار محمد بن راشد شخصية العام، الاتحاد، https://www.alittihad.ae/article/18337/2008 /، 23 إبريل 2008.

20  انظر: المصري اليوم تواصل حوارها مع الداعية الحبيب علي الجفري (2-2)، موقع الحبيب علي الجفري، 1 أكتوبر 2009؛ المصري اليوم تحاور الداعية الجبيب علي الجفري بعد 7 سنوات من الإبعاد عن مصر (1-2)، موقع الحبيب علي الجفري، 30 سبتمبر 2009.

21  انظر: لقاء مباشر على قناة دريم الفضائية الثانية، موقع الحبيب علي الجفري، 21 أغسطس 2009؛
لقاء مباشر في برنامج القاهرة اليوم، موقع الحبيب علي الجفري، ، 22 أغسطس 2009؛
المصري اليوم تواصل حوارها مع الداعية الحبيب علي الجفري (2-2)، موقع الحبيب علي الجفري؛ المصري اليوم تحاور الداعية الحبيب على الجفري بعد 7 سنوات من الإبعاد عن مصر (1-2)، موقع الحبيب علي الجفري؛ لو زارنا رسول الله في رمضان.. في بث مباشر، موقع الحبيب علي الجفري، 5 أغسطس 2010؛
الحبيب علي الجفري في بث مباشر على القاهرة اليوم، موقع الحبيب علي الجفري، ، 26 أغسطس 2010.

22  انظر: الحبيب الجفري في زيارة شيخ الأزهر و رئيس جامعة الأزهر، موقع الحبيب علي الجفري، 1 أكتوبر 2009؛
لقاء الحبيب علي الجفري مع شيخ الجامع الأزهر، موقع الحبيب علي الجفري، 20 يونيو 2010؛
زيارة دار الإفتاء و سفارة الإمارات العربية بالقاهرة، موقع الحبيب علي الجفري، 28 يونيو 2010.

23  انظر: آمنت بالله، https://www.amant.tv /.

24  جولة دعوية في دولة الإمارات العربية المتحدة، موقع الحبيب علي الجفري، 21 ديسمبر 2002؛ الحبيب علي الجفري في الإمارات، موقع الحبيب علي الجفري.

25 الحبيب علي الجفري في الإمارات العربية المتحدة، موقع الحبيب علي الجفري.

26 لؤي علي، “الصديقية الشاذلية” تنضم للطرق الصوفية رسميا.. علي جمعة يبدأ مهامه رئيسًا لها بعد نشر الجريدة الرسمية اعتمادها.. “القصبي”: إضافة قوية ل73 طريقة مسجلة.. و يؤكد: لا تجيز لأعضائها مخالفة الشريعة، اليوم السابع، 2 أغسطس 2018.

27 زينب عبد اللاه، الشيخ الشاب مستشار الرئيس.. هل يجلس أسامة الأزهري على مقاعد أساتذته؟، صوت الأمة، 5 يوليو 2018.

28  محمود حسين، فوز الأزهريو اماني عزيز بوكالة اللجنة الدينية بالبرلمان، اليوم السابع، 23 إبريل 2016.

29 الجفري و الأزهري، يوتيوب، الرابط

30 https://www.dostor.org/2055535

31 عمرو رشدي، الدستور تكشف: “الأعلى للصوفية” يرفض اعتماد طريقة شيخ الأزهر، الدستور، الرابط 11 فبراير 2018.

32 الحبيب الجفري في زيارة شيخ الأزهر و رئيس جامعة الأزهر، موقع الحبيب علي الجفري؛ لقاء الحبيب علي الجفري مع شيخ الجامع الأزهر، موقع الحبيب علي الجفري؛ تهنئة شيخ الأزهر الأستاذ أحمد الطيب، موقع الحبيب علي الجفري، الرابط، 19 مارس 2010.

33 محمود مصطفى، مفتي الجمهورية: غرس مفاهيم التصوف الصحيح أول خطوة لهزيمة الإرهاب، فيتو، الرابط، 18 مارس 2016.

34 المجلس الاستشاري الأعلي، مؤسسة طابة.

35 أبحاث طابة، مؤسسة طابة، http://tabahresearch.org/ .

36 شبكة سند، فيسبوك،  https://www.facebook.com/sanadnetwork/ .

37 روضة النعيم.. أسرار “خلوة” الداعية اليمني الحبيب عمر بن حفيظ في مصر، الدستور، https://www.dostor.org/2247029 ، 12 يوليو 2018.

38 مبادرات طابة، مؤسسة طابة، https://tabahinitiatives.org/ .

39 منتدى تعزيز السلم في المجتماعات المسلمة، http://www.peacems.com/ar/default.aspx .

40 دار الإفتاء المصرية- مرصد الفتاوى التكفيرية و المتشددة، فيسبوك، الرابط.

41عن الأمانة العامة، الأمانة العامة لدور و هيئات الإفتاء في العالم، http://www.fatwaacademy.org/ViewStaticPage.aspx?Code=About .

42 الحبيب علي الجفري في الإمارات العربية المتحدة، موقع الحبيب علي الجفري.

43 دار الفقيه، فيسبوك، https://www.facebook.com/Dar.Alfaqih /.

44 “2014 Prize-Awarding Ceremony,” World Interfaith Harmony Week Webiste, link
“2016 Prize-Awarding Ceremony,” World Interfaith Harmony Week Webiste, link
“2017 Prize-Awarding Ceremony,” World Interfaith Harmony Week Webiste,  link
“2018 Prize-Awarding Ceremony.” World Interfaith Harmony Week Webiste. Accessed in July 2018.  link

45 Nathan J. Brown, Post-revolutionary Al-Azhar,link 2011 .

46 عمرو رشدي، “العمامة والمسبحة”.. أسرار رجال الأزهر داخل الطرق الصوفية في مصر، أمان الدستور، الرابط 9 مارس 2018.

47لؤي علي، مجمع البحوث يستعيد عالميته بانتخاب 5 أعضاء من خارج مصر.. انتخاب “بن بية” و “وزير أوقاف الإمارات” وعلماء من المغرب والجزائر وتونس.. و من مصر انتخب “المفتي” و “رئيس جامعة الأزهر” و “وزير الأوقاف”، اليوم السابع، الرابط،10 إبريل 2014.

48 تقرير مطول عن مؤتمر التصوف منهج أصيل للإصلاح، موقع الحبيب علي الجفري، الرابط، 25 أكتوبر 2011.

49 UAE funded Egyptian anti-Morsi group, leaked conversation suggests, The New Arab, link, 2 March 2015.

50 Nigel Wilson, Saudi Arabia and UAE ready massive $20bn aid package to boost Egypt’s shuttered economy, International Business Time, link, 2 June 2014.

51 شاهد تسريب السيسي ينهب الخليج كاملًا، عربي 21 يوتيوب،  https://www.youtube.com/watch?v=kIpIBmRiAig ، 12 فبراير 2015.

52 David Hearst, Exclusive: the emirati plan for ruling Egypt, Middle East Eye, https://www.middleeasteye.net/news/exclusive-emirati-plan-ruling-egypt-2084590756, 21 November 2015.

53 اسبرطة الصغيرة تتمدد، الاستثمرات في مصر تغير شكل البلاد، عربي بوست، الرابط، 12 يوليو 2017.

54 Randeep Ramesh, UAE told UK: crack down on Muslim brotherhood or lose arm deals, The Guardian, link, 6 November 2015.

55 Rori Donaghy, UAE paid PR firm millions to brief UK journalists on Qatar, brotherhood attacks, link, 19 January 2016.

56 Riyan Grim, Gulf Government Gave Secret $20 Million Gift To D.C. Think Tank, The Intercept, link.

57 يوسف حسني، أسرار “الطعنة الإماراتية” بخاصرة حكم “مرسي” في مصر، الخليجية، الرابط، 26 نوفمبر 2017.

58 محمد بصل، استفزني جدًا نص المادة، الرابط ، 15 مارس 2018.

59 حسن محمود، هكذا وبخ أنصار السيسي و معارضوه الجفري لخطابه عن الجيش، عربي 21، بتاريخ 12 فبراير 2017.

60 Mathhew Hedges, and Giorgio Cafiero, The GCC and the Muslim Brotherhood: What Does the Future Hold?, Middle East Policy,  https://www.mepc.org/journal/gcc-and-muslim-brotherhood-what-does-future-hold, 2017.

61 منصور النقيدان، الاخوان المسلمون في الإمارات التمدد و الانحسار، مركز المسبار للدراسات و البحوث، الرابط، 16 سبتمبر 2013.

62 Courtney Freer, The Muslim Brotherhood in the Emirates: Anatomy of a crackdown, Middle East Eye, link , 17 December 2015.

63 منصور النقيدان، الاخوان المسلمون في الإمارات التمدد والانحسار.

64 Mathhew Hedges, and Giorgio Cafiero, The GCC and the Muslim Brotherhood: What Does the Future Hold?

65 Courtney Freer, The Muslim Brotherhood in the Emirates: Anatomy of a crackdown.

66 Mathhew Hedges, and Giorgio Cafiero, The GCC and the Muslim Brotherhood: What Does the Future Hold?

67 Mathhew Hedges, and Giorgio Cafiero, The GCC and the Muslim Brotherhood: What Does the Future Hold?

68 سحب الجنسية الإماراتية من 6 أشخاص لتورطهم بالمساس بأمن الدولة، الإمارات اليوم، الرابط، 22 ديسمبر 2011.

69 Mathhew Hedges, and Giorgio Cafiero, The GCC and the Muslim Brotherhood: What Does the Future Hold?

70 محمد أبو رمان، السلفية في الجزيرة العربية، أكاديما، الرابط، 31 أغسطس 2015.

71 الإمارات تدعم معسكر عصبة الحق السلفي، بوابة الشرق الإلكترونية، الرابط، 6 نوفمبر 2017؛
الإمارات تدعم السلفية في تعز اليمنية، قناة النعيم الفضائية، https://www.alnaeem.tv/?p=27536 ، 7 مايو 2017.

72 ليلى الرفاعي، “مؤمنون بلا حدود”.. يسار إسلامي في بلاد بن زايد، ميدان الجزيرة، الرابط.

73 James Langton and Haneen Dajani, UAE embassador explains what secularism means for Middle East governance, The National,link , 8 August 2017.

74 “وسيم يوسف” سلاح الإمارات الديني، نون بوست، http://www.noonpost.org/content/18358 ، 9 يونيو 2017.

75 Fait muedini, Sponsoring sufism: how governments promote “mystical Islam” in their domestic and foreign policies, palgrave macmillan, 2015.

76 Fait muedini, Sufism, poltics, and the Arab Spring, link, 2012.

77 المصري اليوم تحاور الداعية الجبيب علي الجفري بعد 7 سنوات من الإبعاد عن مصر (1-2)، موقع الحبيب علي الجفري.

78 Rabasa, Angel, Cheryl Benard, Lowell H. Schwartz, and Peter Sickle, Building Moderate Muslim Networks. Santa Monica, CA: RAND Corporation, 2007. https://www.rand.org/pubs/monographs/MG574.html.

79 Rabasa, Angel, Cheryl Benard, Peter Chalk, C. Christine Fair, Theodore W. Karasik, Rollie Lal, Ian O. Lesser, and David E. Thaler, The Muslim World After 9/11. Santa Monica, CA: RAND Corporation, 2004. https://www.rand.org/pubs/monographs/MG246.html

80 Rabasa, Angel, Cheryl Benard, Lowell H. Schwartz, and Peter Sickle, Building Moderate Muslim Networks.

81 المصري اليوم تحاور الداعية الجبيب علي الجفري بعد 7 سنوات من الإبعاد عن مصر (1-2)، موقع الحبيب علي الجفري.

82 كريمة حسن، “الأوقاف”: توحيد خطبة الجمعة بكل المساجد.. ومحاسبة من لا يلتزم.

83 محمد المستاوي و أسماء بدر، القضايا الخلافية تعصف بالعلاقة بين الأزهر و الأوقاف في مصر، إرم، الرابط 27 يونيو 2018.

84 حازم عادل و محمد السيد، ننشر قائمة الـ50 النهائية لعلماء “الإفتاء في الفضائيات”، اليوم السابع، الرابط، 16 نوفمبر 2017.

85 “التصريح” شرط ظهور رجل الدين في الإعلام- برلماني، أخبارك، الرابط، يوليو 2018.

86أحمد جمال، البرلمان المصري يكسر شوكة الأزهر السياسية و ينتصر للأوقاف، العرب، الرابط، 5 يوليو 2018.

87 وزير الأوقاف: محمد جبريل لن يدخل مساجد مصر في حياتي، المصريون، الرابط، 14 يوليو 2015.

88 Influential Salafi preachers banned from Eid sermons, Egypt Independent, link, 14 July 2015.

89 إسماعيل رأفت، “الأوقاف” تلغي تصريح خطابة السلفي محمد سعيد رسلان و تمنعه من صعود المنبر، اليوم السابع، الرابط، 19 سبتمبر 2018.

90 Tarek Radwan, Egypt’s ministry of endowmnets and the fight against extremism, Atlantic council, link, 23 July 2015.

91الحبيب علي الجفري في زيارة قداسة البابا شنودة الثالث، موقع الحبيب علي الجفري، الرابط، 6 أكتوبر 2009؛
زيارة دار الإفتاء وسفارة الإمارات العربية بالقاهرة، موقع الحبيب علي الجفري؛
الحبيب الجفري في زيارة شيخ الأزهر ورئيس جامعة الأزهر، موقع الحبيب علي الجفري.

92 نص بيان مؤتمر “من هم أهل السنة و الجماعة”، الرابط.

93أحمد الطيب: الأزهر بريء من مؤتمر الشيشان.. و السلفيون من أهل السنة و الجماعة، CNN العربية،https://arabic.cnn.com/middleeast/2016/11/19/azhar-grozny-conference-islam ، 19 نوفمبر 2016.

94 الأمانة العامة لدور و هيئات الإفتاء في العالم،  http://www.fatwaacademy.org/Default.aspx .

95 سامي عبد الرءوف، أحمد الطيب: شكر الإمارات واجب و ليس مجاملة فهي تدعم مسيرة الأزهر و مشاريعه، الاتحاد، الرابط، 18 يوليو 2014.

96 كلية للعلوم الإسلامية و الدعوة تدشن أول فرع لـ”جامعة الأزهر” في العالم بدولة الإمارات، CNN بالعربية، الرابط، 25 نوفمبر 2015.

97خالد عبد العال، الأزهر في ظلال أبو ظبي.. المال مقابل المواقف السياسية، العربي الجديد، الرابط، 31 أكتوبر 2017.

98  جسن خالد، أسامة الأزهري..”الإمام الأصغر”، اليوم الجديد، الرابط، 12 سبتمبر 2016؛
شريف محمد حلمي، حرية الأزهر و رؤية السيسي..هل يكون أسامة الأزهري هو البديل؟، مصر العربية، الرابط، 15 فبراير 2017.

99 مهرجان جوائز المحبة 1427 الموافق 2006، موقع الحبيب علي الجفري.

100 السيد سلامة، نهيان يشهد تكريم الجفري لمفتي الأردن، الاتحاد، https://www.alittihad.ae/Article/103082/2007 /، 14 مارس 2007.

101 محمد بن زايد يشيد بتصدى الأزهر لكل ما يمس جوهر الإسلام، الخليج، الرابط، 29 أبريل 2013.

102  نادية سلطان، شيخ الازهر الشخصية الإسلامية لجائزة دبي الدولية للقرآن، الخليج، الرابط، 23 يوليو 2013؛
لؤي علي، شيخ الأزهر يتسلم جائزة شخصية العام الإسلامية بدبي، اليوم السابع، الرابط، 18 يوليو 2014.

103 انتصار الغيطاني، الحبيب علي الجفري ينضم لبرنامج “مصر انهاردة” على التليفزيون المصري، الوطن، الرابط، 13 فبراير 2018.

104 برنامج وذكر- قناة أبو ظبي، يوتيوب، الرابط، 15 سبتمبر 2012.

105 Genomedia, Linkedin, https://www.linkedin.com/company/genomedia/.

106 أحمد عبد الرحمن، ناشط إماراتي ينشر صور لولي عهد أبو ظبي يقبل جبين شيخ الأزهر، اليوم السابع، الرابط، 31 يوليو 2017.

107 عمرو رشدي، إنفوجرافيك.. مصادر تمويل الطرق الصوفية في مصر، أمان الدستور، http://www.aman-dostor.org/8393 ، 5 مارس 2018.

108 فريدة علي، ماجدة بدوي، محمود إبراهيم، عبد الهادي القصبي رئيسًا لـ”تضامن البرلمان” بالتزكية للمرة الثالثة، الرابط، 3 كتوبر 2017.

109  رسميًا.. عبد الهادي القصبي رئيسًا لائتلاف دعم مصر بالتزكية، التحرير، الرابط، 17 سبتمبر 2018.

110 تقرير مطول عن مؤتمر التصوف منهج أصيل للإصلاح، موقع الحبيب علي الجفري.

111 ممدوح حافظ محروس، الشريف و القصبي في دولة الشيشان لحضوة مؤتمر من هم أهل السنة و الجماعة، الرابط، 30 أغسطس 2016.

112 السادة الحضور محليًّا و دوليًّا، الأمانة العامة لدور و هيئات الإتفاء في العالم، http://www.fatwaacademy.org/ViewWord.aspx?ID=19 .

113 مؤتمر “التصوف أمان للإنسان و استقرار للأوطان”- جروزني، الشيشان، موقع الحبيب علي الجفري، الرابط، 21 سبتمبر 2014.

114 مهرجان جوائز المحبة 1427 الموافق 2006، موقع الحبيب علي الجفري.

115 مهرجان جوائز المحبة 1427 الموافق 2006، موقع الحبيب علي الجفري؛ مهرجان جوائز محبة الرسول يختار محمد بن راشد شخصية العام، الاتحاد.

116 شيخ الطريقة “الشبراوية”: “السيسي مؤيد من الله و الرسول و من جاء به إلى مصر هو الله”، يوتيوب، الرابط، 28 سبتمبر 2017.

117 سعد الدين الهلالي الله رسولين السيسي و محمد إبراهيم لحماية الدين، يوتيوب، الرابط، 6 فبراير 2014.

118  ماذا قال الجفري عن السيسي و حكام الإمارات و السعودية، يوتيوب، الرابط، 11 يونيو 2014.

119 كلمة شيخ الأزهر للشعب المصري 3-7-2013، يوتيوب، https://www.youtube.com/watch?v=dyolDqBaIeQ ، 3 يوليو 2013.

120 على جمعة يخطب أمام عسكر الإنقلاب اللقاء المسرب كامل، يوتيوب، الرابط، 10 أكتوبر 2013.

121 “الجفري” يحاضر بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة عن منزلة الشهداء، الشروق، الرابط، 15 مارس 2018.

122 “بالفيديو..الجفري:” الخروج على الحاكم حرام ما لم نر كفرًا بواحًا”، يوتيوب، الرابط، 17 فبراير 2016.

123 فضيحة علي جمعة و الخروج على الحاكم في عهد مرسي و السيسي، يوتيوب، الرابط، 1 يونيو 2017.

124 على جمعة يخطب أمام عسكر الإنقلاب اللقاء المسرب كامل، يوتيوب.

125 الحلقة 4 الديموقراطية و الديكتاتورية جزء 3، آمنت بالله، http://www.amant.tv/2013/07/eposide4-3/ .

126 الحلقة 3 الديموقراطية و الديكتاتورية جزء 2، آمنت باللهhttp://www.amant.tv/2013/07/eposide3-3/ .

127 حتى لا يكون الدين لعبًا (2)، فيسبوك، https://www.facebook.com/usamaalazhary/posts/519149738140331 ، 6 يوليو 2013.

128 عالم الدين بين مداهنة الحاكم و مداهنة الجماهير- الحبيب علي الجفري، يوتيوب، الرابط، 15 ديسمبر 2015.

129 بلا قيود “مع الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري”، يوتيوب، https://www.youtube.com/watch?v=wGWkFPSIBs0 ، 7 يناير 2018.

130 تعريف المجلس، مجلس حكماء المسلمين، http://muslim-elders.com/ar/pages/about-us .

131 بلا قيود “مع الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري”، يوتيوب.

132 كيف نواجه الظلم، فيسبوك، https://www.facebook.com/rawdhatalnaeem/videos/1910223849279826/ .

133 #الحبيب علي الجفري |حلقة 15: شباب الأزهر و السلفية | أمنت بالله 2، يوتيوب https://www.youtube.com/watch?v=w2lUdCPzVZw&index=16&list=PL37A7A866AEB2782C ، 3 أغسطس 2012.

134 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى