تقارير وإضاءات

إسلاميو السودان أمام اختبار مراجعة تجربتهم

إسلاميو السودان أمام اختبار مراجعة تجربتهم

إعداد أحمد فضل

عقب سقوط نظام الرئيس السوداني عمر البشير على يد الجيش في أبريل/نيسان الماضي، تجد الحركة الإسلامية نفسها مضطرة للقيام بمراجعات ربما تكون هي الأقسى في تاريخها، فاليوم ليس كالأمس.

فبعد ثلاثة عقود من الاحتماء بالحكم، يجد الإسلاميون في السودان أنفسهم في العراء بلا سلطة.

ويبدو مسجد “الشهيد” بمنطقة المقرن السياحية بالعاصمة السودانية الخرطوم حزينا، فبعد أن كان ملاذا للإسلاميين المصدومين حتى الآن من هول الثورة التي أطاحت بحكمهم، نافست مساجد أخرى هذا المسجد وشدت إليها الرحال قبل سقوط حكم الإسلاميين.

نصح الكاروري
وحتى أثناء صلاة الجمعة، لا يأوي الإسلاميون إلى مسجدهم فلم يكن ممتلئا رغم العبر التي حملتها خطبة إمام وخطيب المسجد الشيخ عبد الجليل النذير الكاروري، الذي نصح الحكام السابقين بأن “كفوا أيديكم”.

وكان الكاروري، وهو قيادي بارز بالحركة الإسلامية، قاسيا على هذه الأخيرة وهو يقول للجزيرة نت في صالون ملحق بالمسجد ما يشبه جلدا للذات قائلا “القسوة مطلوبة الآن للحصول على بداية جديدة”.

ويرى الخطيب أن “محنة فقدان الحكم عقاب للإسلاميين من السماء لمنحهم البشير ترشيحا مفتوحا للأبد خالف نص القرآن الذي جاء فيه: وتلك الأيام نداولها بين الناس”، وزاد “أحدهم قال سنسلم السلطة لسيدنا عيسى، ثم صمت وأضاف لن نسلمها لعيسى نفسه”.


مؤتمر للحركة الإسلامية في السودان العام الماضي جرى فيه دعم ترشح البشير لانتخابات الرئاسة (الجزيرة)
مؤتمر للحركة الإسلامية في السودان العام الماضي جرى فيه دعم ترشح البشير لانتخابات الرئاسة (الجزيرة)

دمج الحاءات
ويقول الكاروري إن “أهم بند في المراجعات بعد 30 عاما من الحكم هو الاتعاظ من خطأ الجمع بين الحاءات الثلاث، الحركة والحزب والحكم”.

ويوضح أن الدمج بين الحكومة وحزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية كان خطأ، أفقد الأخيرة خاصية المراجعة بناء على نهج الدين. ويتابع “في المكتب القيادي لم نستطع وقف موازنة العام 2018 التي ضاعفت الدولار الجمركي لأنه ليس لدينا قوة أكثر من الرئيس.. لقد عانينا من انفراده، وهذا رأي قلته مبكرا”.

وعاب الكاروري على الإسلاميين ابتداعهم لمصطلح “الإجماع السكوتي”، في حين أن أدبياتهم تلزمهم بالشورى، وزاد “أهل الإنقاذ خربوا بيتهم بعدم الشورى”.

لكن هذه المراجعات الجارية قد لا تكون مقنعة لشريحة من شباب الإسلاميين، تمثل أجيالا شبت عن الطوق في ظل ما اعتبرته “دولة الإسلام”.

وقد أبلغ أحد شباب الحركة الإسلامية القريبين من مركز اتخاذ القرار “الجزيرة نت” بأنه لا إجماع على هذه المراجعات، إذ إن فئة من هؤلاء الشباب وبعض المصدومين مما حدث في البلاد يرون بأن الحديث عن مراجعات بمثابة “حرث في البحر”.

ويقول المصدر السابق، الذي طلب حجب اسمه وصفته، إن ثمة تيارا غالبا في طور التشكل يرى ضرورة إبعاد كل القيادات التاريخية والبداية من الصفر.

قيادات وسيطة
ورغم الضبابية وانعدام البوصلة وضعف الاتصالات بقواعد الحركة الإسلامية، كما يقول المصدر الشاب، فإن هناك قيادات وسيطة تعمل ضمن غرفة مهمتها تقدير المواقف وإصدار البيانات، فضلا عن دراسة مقترحات تتعلق بالمستقبل.

ويشير إلى أن الحركة الآن تتجه لدمج حزب المؤتمر الوطني داخلها، والتحول إلى حركة مجتمعية أكثر منها سياسية، مع اختيار اسم مناسب مثل “العدالة والتنمية” أو “النهضة”.

ويضيف أن هناك استدعاء للتجربة التركية في العودة إلى المجتمع، واستلهاما للتجربة التونسية في تحقيق الإجماع الوطني، مع اقتراح قيادة بديلة بعد اعتقال قيادات الحركة، وعلى رأسهم الأمين العام الزبير أحمد الحسن قبل أن يفرج عنه مؤخرا.

لجنة تحقيق
ولا تبدو الحركة الإسلامية قادرة على تجاوز صدمة سقوط حكمها في السودان، وهي تتحدث عن “خيانة” أطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير، الذي غل يد جميع المؤسسات عن تقييم وتقويم تجربة حكم الإسلاميين.

ويقول المصدر نفسه إن الحركة شكلت لجنة لتقصي الحقائق بعد عزل الجيش للبشير لمعرفة الجهات التي “خانت وباعت”، ويضيف أنه لم يكشف عن أعضاء اللجنة لكن أخبر المنتمين للحركة الإسلامية بأن اللجنة تضم قيادات عليا.

وحسب المصدر ذاته، فإن لجنة التقصي قطعت شوطا كبيرا، وتتأهب لرفع تقرير نهائي سيسمي من خان قسم الولاء للحركة الإسلامية من أعضاء اللجنة الأمنية الذين كانوا في مناصب كبيرة ما كان ليصلوا إليها لولا الحركة.

وتضم اللجنة الأمنية التي كان يرأسها البشير، نائبه الأول عوض بن عوف، ورئيس الأركان كمال عبد المعروف، فضلا عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ومدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش ومدير الشرطة.

طريق العودة
ويرى الكاروري أن عودة الإسلاميين إلى المشهد السوداني ممكنة لأن قلة منهم فقط انشغلت بالحكم، كما أنهم تربوا قبل الحكم على توفير الاشتراكات لتمويل أنشطتهم. ويرى أن الثورة كانت ضد الإسلاميين وليست ضد الإسلام، قائلا “تزول الأسماء وتتنحى القيادات ويبقى المشروع. نحن مع السلطة المدنية والتداول السلمي للسلطة كما تقول قوى الحرية والتغيير”.

وأقرت الحركة الإسلامية في بيان أصدرته أخيرا بأنها “بلغت نقطة تستدعي التخفف من عبء الدولة، مع الحاجة لإجراء مراجعات كثيرة لمنهج الدعوة”.

ويرجح المصدر بأن تكون عودة الإسلاميين عبر العمل الاجتماعي، فثمة واجهات للحركة غير مكتشفة جمدت حاليا حتى لا يتحفظ عليها العسكريون كما حدث لمقار الحركة، ورغم أن الكاروري يستبعد أن تستأصل السلطة الجديدة في السودان الإسلاميين بالنظر إلى تسامح السودانيين مقارنة بشعوب دول أخرى، لكنه أيضا توقع ألا يسلموا من بعض التضييق.

وكان لافتا تصريح ممثل قوى إعلان الحرية والتغيير محمد ناجي الأصم أثناء التوقيع السبت الماضي على وثائق الفترة الانتقالية، الذي رهن انضمام منسوبي حزب المؤتمر الوطني لمرحلة بناء الوطن “بخلو صحائفهم من الجرائم”، وقال الأصم إنه لن يطالهم أي إجراءات انتقامية.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى